ماجد بن نويصر

حرية الوقاحة.. التطبيع مع تدنيس المقدسات

الأحد - 23 يوليو 2023

Sun - 23 Jul 2023

في الآونة الأخيرة بدأ اتجاه مقلق في الظهور في الغرب «حرق القرآن في الأماكن العامة»... لا أسعى هنا إلى إثارة الكراهية ضد أحد أو التحريض على العنف، ولا حتى استباق الأسوأ بالتبرير له، بل أحاول معالجة هذه القضية بالخطورة ذاتها التي تستحقها. هذا الفعل، الذي يعتبره الكثيرون على أنه إظهار لحرية التعبير، هو عرض مقلق للغاية لتفشي الإسلاموفوبيا وتجاهل صارخ لمقدسات الآخرين.

حرية التعبير هي حجر الزاوية للديمقراطية، وحق يجب احترامه ودعمه. ومع ذلك، فإنها تأتي مع مسؤولية النظر في تأثير كلمات المرء وأفعاله على الآخرين.

إن تدنيس أي نص أو رمز ديني هو انتهاك صارخ لهذه المسؤولية. إنها طريقة للتقليل من القيمة وتجريد الإنسان من الإنسانية ولتأكيد الهيمنة والتفوق والاستفزاز والتحريض.

إنه ليس مجرد خلاف أو نقد، بل هو عمل متعمد من عدم الاحترام والوقاحة، ومع ذلك لا أحد يجيب عندما تسأل متى تنتهي حرية التعبير ويبدأ التحريض؟

على مر التاريخ، كان تدمير النصوص والرموز الدينية أداة يستخدمها أولئك الذين يسعون إلى محو أو التقليل من معتقدات وثقافة مجموعة معينة. من تدمير مكتبة الإسكندرية إلى حرق الغزاة الإسبان لمخطوطات المايا، تعد هذه الأعمال بمثابة تذكير مؤلم بالجانب المظلم من تاريخ البشرية.

القرآن ليس مجرد كتاب - إنه كلام الله الحرفي كما أنزل على النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -. إنه دليل للحياة، مصدر للراحة، ورابط مع الإله.

عندما يحرق القرآن فهذا عمل من أعمال الإذلال العام والعنف العاطفي، والذي يمكن أن يؤدي إلى صدمة دائمة لدى المستضعفين في الدول الغربية.

هذا الفعل له عواقب بعيدة المدى تتجاوز مجرد إيذاء المشاعر. إنه يؤجج نار التطرف على كلا الجانبين، ويؤدي إلى تفاقم التوتر بين المجتمعات، ويمكن أن يؤدي إلى ردود فعل عنيفة. إنها تزرع بذور الانقسام والكراهية والخوف، وتدق إسفينا أعمق في نسيج المجتمعات متعددة الثقافات.

علاوة على ذلك، يشكل حرق القرآن في الأماكن العامة سابقة خطيرة، تسهم في رواية أوسع تحاول تطبيع تدنيس الرموز الإسلامية. فبعد أن أصيبوا بتخمة من تدنيس النصرانية ها هم يبحثون عن أكثر أهل الأرض حساسية وغيرة لدينهم، المسلمين. لا أعرف إن كان هناك تدنيسا قد وقع سابقا لبوذا أو للنبي موسى عليه السلام، لكنني أخشى أن يذهب هذا الأمر إلى أبعد مما يتخيل البعض. الأمر الذي لا ينال من قيم التعايش واحترام التنوع فحسب، بل يقوض أيضا أسس المجتمعات التعددية.

إن حرية التعبير ليست حرية في عدم احترام معتقدات الآخرين، لا ينبغي أن يُترجم الاختلاف مع دين أو ممارساته إلى مهاجمة رموزه أو نصوصه المقدسة. الحوار والتعليم والتعاطف - هذه هي الأدوات التي يجب أن نسلح أنفسنا بها. ولم يثبت عن سلف هذه الأمة أن استخفوا بنص أو استهزؤوا برمز أو استنقصوا من ممارسة دينية لأي دين.

كمجتمع عالمي، يجب ألا ندين تدنيس أي نص أو رمز ديني فحسب، بل يجب علينا السعي لإصدار تشريع دولي يجرم كل من يقوم بالإساءة إلى دين معين على غرار قانون معاداة السامية؛ ليس فقط لأنه مسيء لأتباع ذلك الدين ولكن لأنه يتعارض مع مبادئ الاحترام المتبادل والتفاهم التي يقوم عليها أي مجتمع ديمقراطي متنوع.

إن فعل الكراهية هذا الذي يرتدي زي حرية التعبير هو إهانة ليس فقط للمسلمين، ولكن لجميع الذين يؤمنون بمبادئ الاحترام والتعاطف والتفاهم المتبادل. دعونا لا نسمح لشرارة الوقاحة هذه بأن تقدح بعد الآن؛ لأنها ستوقد النار لعملية تطبيع التدنيس لكل ما يستفز المسلمين.

وقديما قال نصر بن سيار يستصرخ بني أمية:

أرى تحت الرماد وميض نار

ويوشك أن يكون لها ضرام

فإن النار بالعودين تذكى

وإن الحرب أولها كلام

MBNwaiser@