خالد العويجان

الجسر من جدة لآسيا الوسطى

السبت - 22 يوليو 2023

Sat - 22 Jul 2023

لدي علاقة خاصة بأمرين: الخرائط، وعقارب الساعة. لا أعلم دائما أجد أنهما حاضرتان في الحبر المسال من قبلي، ولا أعلم هذه صدف أم من باب القدر. والخرائط لها حساسيتها الخاصة بالمناسبة، وكذلك الوقت. الصراع مع الاثنين رهان خاسر. الجرأة على الخريطة وبال، ومصارعة عقارب الوقت حماقة.

وعلاقة البعض بالبعض دهاليز، والبعض بالآخر كواليس قاتمة، لا تملك من الوضوح قيد أنملة، وأحد أنواع العلاقات أقرب لأن يكون «عشا للدبابير». وحسن النوايا في السياسة، غير مرغوب به، باعتباره مقترنا إلى حد كبير بالألغام.

والقمم الإقليمية والدولية أشكال وأصناف، كل واحدة لها أهدافها وتوجهاتها. في الغالب ما يكون البحث عن النفوذ الرقم واحد في الاثنتين، وهذا في السياسة ليس عيبا، لأن كل شيء له ثمنه. والنفوذ في السياسة هو نوع من التواجد الحميد، لكن الكثير يحاول تصويره أقرب إلى الاحتلال، وهذا فيه كثير من المبالغة.

لكنه في حالات سيء إلى درجة مخيفة، فعلى سبيل الاستدلال: إذا قلت أن بقاء نظام الأسد حتى الآن؛ بسبب القيصر الروسي فلاديمير بوتين، يمكن أن يُقال ما الجديد، هذا معلوم. لكن بوتين لم يزج بقواته في المحرقة السورية لسواد عيون بشار الأسد، إنما بحثا عن ثمن. وهو الإطلالة على المتوسط، من خلال ميناء طرطوس. فروسيا لديها عقدة البحار، لأنها لا تملك متنفسا بحريا يوازي قوتها واقتصادها. لذا هرولت إلى سوريا. ناهيك عن سبب مناكفة الولايات المتحدة الأمريكية، الغريم التقليدي للدب الروسي. وهذا أمر له حساباته الخاصة ومبرراته، وقواعد لعبته.

الأسبوع المنصرم، كان لجدة وهجها العالمي، إذ كانت أنظار الأرض تتجه صوب «العروس». ليس لأنها عروس كما قلت، إنما لأن هناك من يُدبر شبكة علاقات عامة كبرى في المنطقة. فالملف الكبير الملقى على مكتب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، يحوي كثيرا من الأوراق بشكل شمولي، وليس منفردا. بمعنى: أن أفق نظر السياسة السعودية لم يعد في إطاره الضيق أو المحدود، بل يعيش حالة كبرى من الاتساع، ليشمل الإقليم، والمنطقة برمتها.

قد يسأل أحدا ما: ما مصلحة المملكة لأن تدفع دولة كـ»قرغيزستان» لفكرة التنمية التي تعيشها دول الخليج، أو المملكة على وجه الخصوص؟ وهذا سؤال مشروع في حقيقة الأمر، الإجابة عنه تكمن ـ حسب تفسيري ـ في أمور عدة، أهمها: أن دول آسيا الوسطى لها ما لها في الاقتصاد والتجارة، وقبل ذلك الاستقرار السياسي، وهي على كل حال دول منفتحة على مثلا: «الصين، تركيا، إيران».

وهنا، لا أقصد أن الانفتاح عليها من باب منافسة الدول الثلاث، لا بل من باب البحث عن شركاء جدد، في بقعة جديدة من العالم.

إذن يمكن لنا خلال هذه الزاوية، فهم شكل الانفتاح الذي قادته المملكة تجاه ذلك الصوب من العالم.

وفي ذلك يتضح أن الرياض تمكنت من التخلص من أغلال الشريك الأحادي، الذي كانت تسير عليه في وقت مضى، وباتت تطرق جميع الأبواب، ارتكازا على البحث عن شركاء جدد، يمكن أن يتحقق بالتحالف معهم كثير من المصالح.

أتصور أن المملكة وصانع القرار فيها، باتا يسعيان للتفكير بالحضور وفق منطق جيوسياسي مرن وحديث في الإقليم، وهذا فيه دلالة أو رسالة واضحة لواشنطن، بأن مفهوم الحليف الواحد لم يعد صالحا لا للزمان ولا للمكان، لذا كانت الرياض تضع بصمتها في الصين وموسكو وبعضا من أوروبا والمحيط القريب.

ويمكن أيضا من جانب آخر، قراءة أن المملكة العربية السعودية، لم تعد تنظر لما كان يسمى حرب التشابكات، التي سبق أن سادت في إطار المشاريع بالمنطقة. فالصراعات الباردة فيما مضى أثبتت فشلها وانعكاساتها السلبية على السياسة والاقتصاد، وهذا بدليل انصراف المملكة عن كثير من الملفات، كالملف اللبناني على سبيل المثال، الذي كان يمثل أولوية لها، ما دعا إلى حالة تشابك مشاريع بين الورقة السعودية والإيرانية على أراضي تلك الدولة.

إن الحالة العصرية التي تعيشها المملكة والسرعة في الإنجاز، يحتمان عليها بناء شراكات اقتصادية وسياسية وثقافية، على أساس المصلحة لا البحث عن نفوذ أو منافسة أي مشاريع أخرى. فالذهنية السياسية السعودية قد تجاوزت هذا النمط السياسي الذي ذهب إلى غير رجعة، وباتت الورقة الأهم على مكتب ولي العهد، بعد التنمية، والبناء والتحديث، هي البحث عن شركاء جدد على الخارطة من باب الانفتاح على الآخر.

المهم أن السياسة أشبه بساحة حرب، والمفهوم يقوم على أن الله لا يعطي أصعب المعارك، إلا لأقوى جنوده.

لذا نحن أقوياء. وإلا لن نتمكن من بناء ذلك الجسر، من جدة إلى آسيا الوسطى.