المشاركة السياسية في النظام القبلي
الأربعاء - 19 يوليو 2023
Wed - 19 Jul 2023
تختلف المجتمعات وتتنوع من مجتمع لآخر باختلاف النظم الاجتماعية، التي تحدد إطار الفعل الاجتماعي من غايات ووسائل مشروعة لتحقيقها، سواء على مستوى الجماعة أو الفرد، وغالبا ما تتشكل هذه النظم بناءً على طبيعة المجتمع وما عاصره من أحداث لها أثرها وعمقها التاريخي على ثقافته الاجتماعية، إذ إن الثقافة الاجتماعية للمجتمع أقرب ما يكون لها الشخصية لدى الفرد.
وحين نأخذ نظرة متعمقة على الوطن العربي بشكل عام والجزيرة العربية بشكل خاص، وجدنا انخفاضا في نسبة التنوع التضاريسي مقارنة بغيرها من الحضارات القديمة الأوروبية – اليونانية – والصينية والهندية، وغيرها، إذ تشكلت بيئة المنطقة من صحار ذات طبيعة مناخية قاسية تشتد فيها الحرارة والجفاف الناتج عن قلة الأمطار، وقد قامت فيها حضارات أو قرى مترامية الأطراف هنا وهناك، تفصل بينها مساحة شاسعة من الرمال على حد النظر.
نتج عن مثل هذه البيئة النظام القبلي كتنظيم اجتماعي بسيط لنمط الحياة والمعيشة، مقارنة بالنظم الحالية المتميزة بشدة التعقيد والتخصص، وقد فضلت أن أشير إلى هذا التنظيم كنظام قبلي لا بدوي، كما يميل معظم متخصصي العلوم الاجتماعية ـ وإن كان النظامان متقاربين إلى حد كبير ويصعب الفصل بينهما ـ إلا أن هناك فروقا جوهرية فيما بينهما.
يعود هذا التفضيل في التسمية لأسباب عدة أهمها: أن البداوة والتي كانت قائمة على الترحال والغزو قد انتهت ولم يعد لها وجود بفضل مشروع توطين البادية في عهد الملك عبدالعزيز.
ومن ناحية أخرى، أن البدوي يتبع في معظم تعاملاته وشؤونه النظام القبلي المتشكل من الأعراف والتقاليد، إلا أنه لا يشترط أن يتخذ الفرد المنتمي للقبيلة نظام البداوة في تنظيم أموره وتدبير معيشته. بمعنى أصح، قد يكون البدوي قبيليا ولكن لا يشترط أن يكون القبيلي بدويا. وأخيرا، حتى لا يكون هناك نوع من اللبس والفهم الخاطئ لدى القارئ، وكون ما سيذكر في النظام القبلي يمكن تطبيقه على النظام البدوي.
حتى لا نطيل المقالة ويصيب القارئ المشتت بعضا من الملل أو النعاس، نعود إلى محور مقالتنا وهو النظم الاجتماعية التي تأثرت بها الجزيرة العربية، وهي في الغالب 3 أنظمة رئيسة أسهمت نسبيا في تشكيل جزء كبير من ثقافتنا الاجتماعية.
أولها: النظام القبلي، وهو النظام الذي سبق الدعوة المحمدية.
الثاني: هو انطلاق الدعوة المحمدية من جزيرة العرب، أي النظام الديني.
الثالث: النظام الحضاري، والموجة العالمية للعولمة، إذ ظلت هذه النظم في حالة من المد والجزر.
فكل نظام يناقض الآخر في جوانب ويوافقه في أخرى، وما نود الإشارة إليه تحديدا، وهو ما قادني إلى كتابة المقالة، هو الفضول الدافع لفحص هذه النظم. ورغم الجهود المبذولة في هذا الحقل، إلا أنها ما زالت لا تكاد تذكر، وقد كان المستشرقون وراء معظم هذه الدراسات. كما أنها تبنت منهجا وأسسا بحثية إلا أن كثيرا منهم وقع في خطأ شائع بين الباحثين في مجتمعات لا ينتمون إليها حتى وإن عاشوا بينهم واختلطوا بهم، ألا وهو النظر إلى هذه الثقافات المعنية وتفسيرها في ضوء المرجعية الثقافية للباحث، وغالبا ما ينتهي به المطاف إلى نتائج وتفسيرات مغلوطة.
إن النظام القبلي، والذي شاع في الجزيرة العربية قديما، هو كغيره من النظم له أساليبه الخاصة في تدبير شؤونه.
فعلى الصعيد السياسي، كثيرا ما كانت تلجأ القبائل إلى بعضها إما في محالفات فتستفيد القبائل الحلفية، أو نزاعات قد تصل إلى الحرب فيما بينها، فيتأثر جراءها الطرفان، ولكن مثل هذه القرارات المؤثرة على أعضاء القبيلة كيف كان يتم اتخاذها؟.
في الواقع، لقد كان هناك نوع من المشاركة السياسية، وهو أبسط وأقل تعقيدا من الذي يعرفه عالمنا الحديث.
فقد كان شيخ القبيلة هو المسؤول الأول والأخير عن مثل هذه القرارات، فيجتمع عقلاء القبيلة ومن هو مشهود لهم بالخير، أو حتى جميع أفراد القبيلة من الذكور في مجلس الشيخ، حتى يناقشوا ما هم مقبلون عليه، وللجميع حق المعرفة والمشاركة أيضا.
واعتاد الناس في مثل هذه الموضوعات ترديد بعض الآيات من القرآن أو الأبيات والأمثال الشعبية، لتشجيع الحاضرين على الإدلاء برأيهم، موافقا كان أم معارضا، وأن تدار شؤونهم فيما بينهم بالشورى، ومن هذه الأمثال الشائعة «ما فيه زور إلا وفيه شور»، ويقصد بالزور منطقة الصدر، من زاوية أخرى يصف أحد الشعراء هذه المجالس في الأبيات التالية:
لا برزنا تمالينا بعز القبيلة
ما نولي مراجلنا ذليلٍ وغاوي
عادةٍ عندنا شل الحمول الثقيلة
فزعةٍ للرفيق اللي بلته البلاوي
على حد علمي، أن الأبيات تعود إلى الشاعر بيرم جابر آل فطيح، ما يعنينا هنا هو ما يشير إليه «لا برزنا» أي حين نجتمع اجتماعا خاصا أو سريا، أما «تمالينا» فهي تشير إلى الاتفاق والتعاون على عز وشرف القبيلة، ويرى علي الوردي أن هذا العز أو الشرف يرتبط ارتباطا وثيقا بسمعة القبيلة. وفيما يتعلق «بما نولي» فهي من الولاية فلا يتولى أمر القبيلة أو يشيخ عليها من هو ذليل وغاوي، وهي من الصفات المحتفرة في النظام القبلي.
وما يجدر ذكره في هذه النقطة، هو أن زعامة القبيلة تكون بأحد فعلين: إما أن تتم بالولاية كما أشار الشاعر، أو لأكثرهم غلبة وقوة فيفرض نفسه على رئاسة هذه القبيلة.
وأخيرا، يؤكد الشاعر لأفراد قبيلته في البيت الثاني، الصفات المستحسنة في النظام القبلي والمحمودة.
وحين نأخذ نظرة متعمقة على الوطن العربي بشكل عام والجزيرة العربية بشكل خاص، وجدنا انخفاضا في نسبة التنوع التضاريسي مقارنة بغيرها من الحضارات القديمة الأوروبية – اليونانية – والصينية والهندية، وغيرها، إذ تشكلت بيئة المنطقة من صحار ذات طبيعة مناخية قاسية تشتد فيها الحرارة والجفاف الناتج عن قلة الأمطار، وقد قامت فيها حضارات أو قرى مترامية الأطراف هنا وهناك، تفصل بينها مساحة شاسعة من الرمال على حد النظر.
نتج عن مثل هذه البيئة النظام القبلي كتنظيم اجتماعي بسيط لنمط الحياة والمعيشة، مقارنة بالنظم الحالية المتميزة بشدة التعقيد والتخصص، وقد فضلت أن أشير إلى هذا التنظيم كنظام قبلي لا بدوي، كما يميل معظم متخصصي العلوم الاجتماعية ـ وإن كان النظامان متقاربين إلى حد كبير ويصعب الفصل بينهما ـ إلا أن هناك فروقا جوهرية فيما بينهما.
يعود هذا التفضيل في التسمية لأسباب عدة أهمها: أن البداوة والتي كانت قائمة على الترحال والغزو قد انتهت ولم يعد لها وجود بفضل مشروع توطين البادية في عهد الملك عبدالعزيز.
ومن ناحية أخرى، أن البدوي يتبع في معظم تعاملاته وشؤونه النظام القبلي المتشكل من الأعراف والتقاليد، إلا أنه لا يشترط أن يتخذ الفرد المنتمي للقبيلة نظام البداوة في تنظيم أموره وتدبير معيشته. بمعنى أصح، قد يكون البدوي قبيليا ولكن لا يشترط أن يكون القبيلي بدويا. وأخيرا، حتى لا يكون هناك نوع من اللبس والفهم الخاطئ لدى القارئ، وكون ما سيذكر في النظام القبلي يمكن تطبيقه على النظام البدوي.
حتى لا نطيل المقالة ويصيب القارئ المشتت بعضا من الملل أو النعاس، نعود إلى محور مقالتنا وهو النظم الاجتماعية التي تأثرت بها الجزيرة العربية، وهي في الغالب 3 أنظمة رئيسة أسهمت نسبيا في تشكيل جزء كبير من ثقافتنا الاجتماعية.
أولها: النظام القبلي، وهو النظام الذي سبق الدعوة المحمدية.
الثاني: هو انطلاق الدعوة المحمدية من جزيرة العرب، أي النظام الديني.
الثالث: النظام الحضاري، والموجة العالمية للعولمة، إذ ظلت هذه النظم في حالة من المد والجزر.
فكل نظام يناقض الآخر في جوانب ويوافقه في أخرى، وما نود الإشارة إليه تحديدا، وهو ما قادني إلى كتابة المقالة، هو الفضول الدافع لفحص هذه النظم. ورغم الجهود المبذولة في هذا الحقل، إلا أنها ما زالت لا تكاد تذكر، وقد كان المستشرقون وراء معظم هذه الدراسات. كما أنها تبنت منهجا وأسسا بحثية إلا أن كثيرا منهم وقع في خطأ شائع بين الباحثين في مجتمعات لا ينتمون إليها حتى وإن عاشوا بينهم واختلطوا بهم، ألا وهو النظر إلى هذه الثقافات المعنية وتفسيرها في ضوء المرجعية الثقافية للباحث، وغالبا ما ينتهي به المطاف إلى نتائج وتفسيرات مغلوطة.
إن النظام القبلي، والذي شاع في الجزيرة العربية قديما، هو كغيره من النظم له أساليبه الخاصة في تدبير شؤونه.
فعلى الصعيد السياسي، كثيرا ما كانت تلجأ القبائل إلى بعضها إما في محالفات فتستفيد القبائل الحلفية، أو نزاعات قد تصل إلى الحرب فيما بينها، فيتأثر جراءها الطرفان، ولكن مثل هذه القرارات المؤثرة على أعضاء القبيلة كيف كان يتم اتخاذها؟.
في الواقع، لقد كان هناك نوع من المشاركة السياسية، وهو أبسط وأقل تعقيدا من الذي يعرفه عالمنا الحديث.
فقد كان شيخ القبيلة هو المسؤول الأول والأخير عن مثل هذه القرارات، فيجتمع عقلاء القبيلة ومن هو مشهود لهم بالخير، أو حتى جميع أفراد القبيلة من الذكور في مجلس الشيخ، حتى يناقشوا ما هم مقبلون عليه، وللجميع حق المعرفة والمشاركة أيضا.
واعتاد الناس في مثل هذه الموضوعات ترديد بعض الآيات من القرآن أو الأبيات والأمثال الشعبية، لتشجيع الحاضرين على الإدلاء برأيهم، موافقا كان أم معارضا، وأن تدار شؤونهم فيما بينهم بالشورى، ومن هذه الأمثال الشائعة «ما فيه زور إلا وفيه شور»، ويقصد بالزور منطقة الصدر، من زاوية أخرى يصف أحد الشعراء هذه المجالس في الأبيات التالية:
لا برزنا تمالينا بعز القبيلة
ما نولي مراجلنا ذليلٍ وغاوي
عادةٍ عندنا شل الحمول الثقيلة
فزعةٍ للرفيق اللي بلته البلاوي
على حد علمي، أن الأبيات تعود إلى الشاعر بيرم جابر آل فطيح، ما يعنينا هنا هو ما يشير إليه «لا برزنا» أي حين نجتمع اجتماعا خاصا أو سريا، أما «تمالينا» فهي تشير إلى الاتفاق والتعاون على عز وشرف القبيلة، ويرى علي الوردي أن هذا العز أو الشرف يرتبط ارتباطا وثيقا بسمعة القبيلة. وفيما يتعلق «بما نولي» فهي من الولاية فلا يتولى أمر القبيلة أو يشيخ عليها من هو ذليل وغاوي، وهي من الصفات المحتفرة في النظام القبلي.
وما يجدر ذكره في هذه النقطة، هو أن زعامة القبيلة تكون بأحد فعلين: إما أن تتم بالولاية كما أشار الشاعر، أو لأكثرهم غلبة وقوة فيفرض نفسه على رئاسة هذه القبيلة.
وأخيرا، يؤكد الشاعر لأفراد قبيلته في البيت الثاني، الصفات المستحسنة في النظام القبلي والمحمودة.