عبدالمعين عيد الأغا

هل فحصت «سكرك»؟

الثلاثاء - 18 يوليو 2023

Tue - 18 Jul 2023

زارني طفل «لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره» مع والديه ويشكو من السمنة وعلى بعد أمتار من الإصابة بداء السكري النمط الثاني (غير المعتمد على الأنسولين)، إذ ظهرت عليه بوادر أعراض مقدمات السكري دون أن يعطي والديه طوال سنوات عمره أدنى اهتمام بحالته الصحية ووزنه الملحوظ.

والسؤال الذي بادرت به للطفل أمام والديه: هل فحصت سكرك من قبل؟ اندهش واستغرب من سؤالي وقال: أي سكر؟!! فأجبته بأسلوب هادئ أن هناك مرض اسمه داء السكري وله أسبابه وهناك نوعان له، النوع الأول وهو نقص إفراز الأنسولين أو عدم إفرازه نهائيا بسبب تلف في خلايا بيتا في البنكرياس مما يجعل المريض بحاجة للحصول على أنسولين من مصدر خارجي مدى الحياة، والنوع الثاني هو مقاومة الجسم لتأثير الأنسولين، أو أن خلايا بيتا لا تنتج ما يكفي منه، وهذا النوع يبدأ عادة في مرحلة البلوغ ومع ذلك يمكن للأطفال والمراهقين الذين يعانون من زيادة الوزن والسمنة أن يصابوا به، وفي حالتك فأنت في وضع لا يحسد عليه الآن لكونك في مرحلة مقاومة الأنسولين وقريب من التعرض للنوع الثاني (لا سمح الله) إذا لم تلحق في تصحيح نمط حياتك، ولا سيما أن علامات مقاومة الأنسولين ظاهرة حسب الأعراض التشخيصية.

قد ألتمس عذره في عدم معرفته عن علاقة زيادة الوزن المفرط وصولا إلى السمنة بالإصابة بمقدمات السكري ومن ثم داء السكري النمط الثاني، كما ألوم أسرته التي تركته سنوات طويلة على حاله دون مراقبة لوزنه، والحال لا يتوقف على هذا الطفل فقط فهناك الكثيرون على شاكلته الذين يجهلون مرضا اسمه «السكري» وغير مشخصين، وهذا ما يتطلب تفعيل البرامج التوعوية واستغلال جميع أوجه منصات التواصل الاجتماعي في تكريس التوعية الصحية بداء السكري سواء في المدارس أو الملاعب الرياضية والمراكز التجارية والأسواق وغيرها من مواقع الترفيه، فالأمر لا يقتصر على الأطفال اليافعين فقط بل يشمل الكبار أيضا.

يجب أن يدرك كل من يشكو من مقدمات السكري أو ما يعرف بمرحلة «مقاومة الأنسولين» أن هذه المرحلة تمثل فرصة ذهبية لتفادي الوصول إلى اكتشاف الإصابة بمرض السكري، فمقدمات السكري هي الحالة التي تصيب الأشخاص قبل إصابتهم بداء السكري من النوع الثاني، بحيث يكون مستوى السكر بالدم أعلى من الطبيعي، ولكن ليس عاليا بما فيه الكفاية لتشخيص الإصابة بداء السكري، ويساعد اكتشافه وعلاجه المبكر على استعادة مستوى السكر الطبيعي، ومنع الإصابة بداء السكري من النوع الثاني.

للأسف الشديد السكري النمط الثاني بدأ ينتشر بشكل لافت وكبير في جميع المجتمعات العالمية والعربية والخليجية عموما لارتباطه بالسمنة وعدم الحركة وغياب الرياضة، فكل هذه العوامل جعلت هذا المرض بعيدا عن السيطرة لكونه مرتبطا بنمط الحياة عند الأفراد، وبالتالي فإن الوقاية منه تبدأ من الفرد نفسه، لأن الهدف الوقائي هنا هو جعل الحفاظ على نسبة السكر في الدم ضمن النطاق الصحي، فإذا كان المستوى منخفضا جدا فسيؤدي ذلك إلى فقدان القدرة على العمل والتفكير، وعلى العكس من ذلك فإن مستوى السكر المرتفع سيتجاوز المعدل الطبيعي، وقد يتسبب ارتفاع نسبة السكر في الدم عن المعدل الطبيعي في حدوث مضاعفات صحية تؤثر على الجسم خاصة إذا استمر في الارتفاع بدون السيطرة عليه، لذلك فإن مراقبة مستوى الجلوكوز في الدم هي طريقة أساسية ومهمة لاكتشاف ما إذا كان مستوى السكر في الدم ضمن النطاق المقبول أم لا، باستثناء دوره المهم في تشخيص الإصابة بمرض السكري ونطاق التحكم فيه.

وللوقاية من الإصابة بالسكري النمط الثاني عند الصغار والكبار يجب اتباع السلوكيات الصحية السليمة وخصوصا ما يتعلق بنمط الحياة كالمحافظة على الوزن الصحي، ومتابعة الوزن والتأكد من علامات النمو بشكل سليم حسب العمر عند الأطفال، الحد من تناول الوجبات السريعة والأطعمة الغنية بالسعرات الحرارية، الحرص على تناول الخضراوات والفواكه وجعلها من الحصص الرئيسة للتغذية اليومية، تناول الماء والعصائر الطازجة وتجنب المشروبات المحلاة بالسكر والمشروبات الغازية والشاي والقهوة، الحد من استهلاك السكر والدهون المشبعة، ممارسة النشاط البدني يوميا ولمدة نصف ساعة وجعل ذلك برنامجا أساسيا خلال اليوم لتفادي الخمول والكسل وزيادة الوزن، وأهم نصيحة الحد من استخدام الأجهزة الالكترونية وخصوصا الأطفال واليافعين.

وأخيرا.. أنصح كل من يشكو من زيادة الوزن المفرط أو السمنة والأسر الذين لديهم أطفال يعانون من السمنة بضرورة إجراء فحص نسبة السكر في الدم والأفضل فحص السكر التراكمي أيضا لمعرفة حال السكر على مدى ثلاثة أشهر للتأكد من عدم وصول الشخص إلى مرحلة مقاومة الأنسولين وتفاديا للإصابة بالسكري، فللأسف البعض يتجاهل الأعراض ولا يدرك أنها بداية لـ«مقدمات السكري».