عبدالحليم البراك

أشكال متعددة للطمأنينة!

الاثنين - 17 يوليو 2023

Mon - 17 Jul 2023

يدور الإنسان حول الطمأنينة، وهي الأمان والسكينة والراحة النفسية والثقة بنفسه وبوجوده والعالم من حوله، ولا أحد يزعم أنها الشيء الوحيد التي يدور حولها الإنسان، إلا أنها من الأشياء الأساسية التي توجه الإنسان وسلوكه، فما حاجة الإنسان إلى الطعام والشراب إلا ركونا نحو الطمأنينة الجسدية، وحاجته للجنس إلا لطمأنينة العناية به وبقاء النسل البشري، وما طمأنينة الرفاه الاجتماعي والرخاء الاقتصادي، والرضا النفسي، إلا مكونات طمأنينة الراحلة لدى الإنسان، فلا نبالغ لو قلنا بأن الطمأنينة هدف الإنسان من يوم ولادته من بكائه في اليوم الأول (قلقه من مغادرة رحم أمه في لحظاته الأولى، وبحثه عن الطمأنينة بعد قلق المغادرة) وحتى يومه الأخير يقلق من الموت ومغادرة الحياة خوفا على الطمأنينة التي اعتاد عليها!

ومهما يكن من أمر، وما بين الحياة والموت هناك المزيد من القلق الذي يغزو حياة الإنسان من جهة، ومزيدا من الطمأنينة التي يمنحها الإنسان لنفسه من جهة أخرى، ومن جهة مختلفة أخرى يختار الإنسان شكل الطمأنينية المناسبة له حسبما ينتمي لها أو تكون هي الأقرب إلى هويته البشرية والثقافية سواء المتشكلة في داخله أو المتشكلة عليه من خارجه، يختارها بعناية فائقة حتى يحقق من خلالها الراحة النفسية المنشودة التي تؤمن وجوده البشري وهي التي يصنع من خلالها نافذة الراحة لنفسه.

أحد أنواع الطمأنينة التي يلجأ إليها الإنسان؛ الطمأنينة الدينية، تلك التي تعطيه مزيدا من الراحة النفسية والتي تتوافق معه هويته الوجودية، إما بسبب تلك الإجابات التي يقدمها الدين ولا يقدمها العلم لأن الدين يقدم إجابات لأسئلة لا يستطيع العلم الإجابة عليها ويتناول موضوعات ليست من موضوعات العلم أصلا، أو ما يقدمه الدين من حل لمشكلات الظلم في الدنيا ليعطيك العوض في الآخرة، أو مشكلة الحسنة بالدنيا مقابل الإحسان في الدنيا أو في الآخرة، فكل عمل خير تلقى جزاءه، أو تفسير الدين للكون وسيطرة الخالق له عليه، مما يمنع أن يختل هذا التوازن الكوني العظيم فيقع الضرر المخيف على الإنسان.

كما أن آخرين يركنون إلى طمأنينة العلم، حيث إنهم يلجؤون للعلم في تفسير كل الأشياء من حولهم في الحياة فهو يسأل العلم عن كل شيء وأي شيء ليحصل على التفسير الذي يمنحه الطمأنينة أما غير العلم فإنه يجعله في قلق مستمر، ولا يوقف نزيف القلق لديه إلا العلم وحده.

أما آخرون فإنهم يلجؤون للطمأنينة الفلسفية لتفسير العالم والكون من حولهم، والطمأنينة الفلسفية هي النظرة الكلية للعالم، وتهدف لتفسير الإنسان نفسه وسلوكه، وفهم الحياة وتفهمها، وعزاءاتهم ليست دينية أو علمية تجريبية بل عزاءاتهم فلسفية بحته، تجعله يفهم العالم ويتقبل كل تغييراته من خلال الفلسفة والفلسفة وحدها.

آخرون من بني البشر، يلجؤون للطمأنينة من خلال التجاهل، أي «الطمأنينة بالتجاهل» تجاهل الأسئلة الكبرى التي تلح على الإنسان، تجاهل الكون والوجود، تجاهل السرديات الكبرى والصغرى في حياته وفي الكون حوله، نعم التجاهل يعتبر حلا فمع التمرين على التجاهل يعتاد الإنسان على أن يجعل من تلك الأسئلة الكبرى التي أشرنا إليها وكأنها لا شيء بالنسبة إليه، فهو لا يسأل عن الكون ولا خالقه، ويتجاهل تفسير تصرفات الإنسان، ولا يتساءل عن الأسباب والأعراض والجواهر، فهو يجعل من الكون نفسه مسؤولا عن انتظام الكون وليست هذه الأمور من مسؤوليته الشخصية، وتقلقه وبشدة تلك الأسئلة الكونية وخاصة تلك التي قد تمس جوانب اللاوعي فيه، كمن لديه في عقله الباطن اللاواعي عقل دين، فإن مساءلة الدين تقلقه، أو أن أسئلة المنطق والعقل ترهقه، أو العلم وتردده وتغيير رأيه المستمر في الأشياء تفقده ثقته فيه. ولذلك هو يقبل العالم حوله كصورة جاهزة هادئة لا قلق فيها لعقله الصغير!

ولربما لو توسعنا في مجالات الطمأنينة لوجدنا أن هناك ما يسمى بالطمأنينة بالبصمة الخاصة، وهي أشبه ما تكون بخليط من الطمأنينة المتنوعة مما سبق، تخلق لديه طمأنينته الخاصة به والتي تشبهه ولا تشبه غيره، كما أن بعض ما يحدث من اضطراب نفسي قد لا يكون سوى اضطراب في الطمأنينة فقد يكون في مجتمع يقدس واحدة من تلك الأنواع ويستبعد غيرها بينما هو يرغب أن يكون مع هؤلاء الناس لكنه ذاته لا تتوافق معها فيخلق له نوعا من القلق والاضطراب في الطمأنينة!

Halemalbaarrak@