مواجهة الأفكار المناهضة.. دور مؤسساتي اجتماعي يبدأ من الأسرة

السبت - 15 يوليو 2023

Sat - 15 Jul 2023

تشكل القيم أهمية كبيرة في بناء شخصية الأفراد التي من خلالها يمكن تحديد القيم المجتمعية، وباعتبار أن العالم أصبح قرية صغيرة بإمكان الفرد أن يجول أنحاءه في دقائق عبر هاتفه، بات الخطر يهدد المجتمعات ليس من الغزو الفكري فحسب، بل من تبني أفرادها لهذه الأفكار المناهضة للقيم الأسرية والمجتمعية.

فإذا كانت الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمعات والدرع الأول الذي يصد الأفكار الدخيلة عن أفرادها؛ فما هو دور باقي المؤسسات الاجتماعية لمواجهة هذه الأفكار والتعامل معها؟

«مكة» ترصد عددا من مشاركات الكتاب وأصحاب الرأي السعوديين حول هذا الموضوع.

المرونة في خطاب الأجيال

«بداية لا بد لنا أن نعي أن هناك فرقا بين القيمة والمبدأ، وأن هناك متغيرات وفق الزمان والمكان تجعل بعض القيم تختلف وتتشكل حسب الظروف والمجتمعات، فلا يمكن أن نطبق قيمة ما على مجتمع ‏وننتظر نتائج محسومة وهي تخص مجتمعا آخر، ‏بل إننا لا نستطيع أن نطبق قيمة لمنطقة داخل المجتمع وهي تخص منطقة أخرى، وحتى نكون أكثر دقة لا نستطيع أن نطبق قيمة لأسرة وهي تخص أسرة أخرى، قد يعتقد البعض أنني أبالغ بهذا التخصيص ‏إلا أن هذا الرأي كان مبنيا على مشاهدات أكثر تفصيلا في تقديري للقيم في داخل العائلة الواحدة باختلاف الأسر الصغيرة داخل هذه العائلة، فلقد اختلفنا ‏في تقديرنا للقيم من بيت إلى بيت وأصبحت لنا نظرتنا التي تنطبق على مجموعة الأفراد داخل البيت الواحد، ولعل هذا ما فرضته علينا تقلبات العصر وتطورات التغيير السريعة التي تلزمنا بأن نكون ‏أكثر مرونة في تعديلاتنا للقيمة دون المساس بالمبدأ حتى لا تحدث فجوة بيننا وبين الأجيال التي نقوم بالإشراف عليها وتوجيهها لتصبح لبنة جيدة يقوم عليها مجتمع بأسره.

هذا على وجه العموم وإذا أردنا أن ننظر للمجتمعات في وقتنا الحالي ندرك الدور المطلوب تقديمه من حيث مواءمة ما يحمله ديننا من قيم راسخة أساسية وما يتقبله مجتمعنا بمنظوره العام مع مراعاة التغييرات الواضحة في ما يطالب به الجيل، وألا يكون هناك صدام ينتج عنه تحد لهذه القيم الراسخة وكسر لها في ظل إثبات الوجود الذي كان من الممكن الوصول إليه بطرق أكثر حكمة وأساليب فيها من الوعي والتفهم لاحتياجات هذا الجيل على قاعدة «سددوا وقاربوا»، ولا نغفل عن إمكانية خسارتنا لهذا الجيل عندما نفقد لغة الحوار المنطقية العقلانية معهم من خلال النمذجة ووضوح القدوة بعيدا عن المثالية الزائفة».

إيمان باجنيد

التوعية بلغة اليوم

«مصادر الأفكار المناهضة للقيم الأسرية والمجتمعية متعددة ولا يمكن تحديدها في نمط واحد أو من منبع واحد، إنما هي متحولة وتتشكل وفقا لأهدافها من الأسرة والمجتمع ولها مراحلها المتحولة مع تحولات التطور المجتمعي والعالم أجمع وأهدافها الخاصة من كل مجتمع تستهدفه؛ لذلك من الأنفع والأصلح أن نركز على توعية الأفراد والأسرة والمجتمع بقيمه وعاداته الأصيلة، ومن جهة أخرى كشف أهداف هذه التيارات أو الأفكار الدخيلة التي تستهدفهم.

وهذه التوعية لا بد أن تأخذ شكلا تطويريا يناسب زمن التقنية الحديثة والإعلام الجديد والابتعاد عن أشكالها التقليدية في الخطاب التوعوي الذي يعد خطابا مستهلكا ولم يعد مؤثرا.

لذلك ما نحتاجه اليوم للتعامل مع الأفكار المناهضة هو إعادة النظر إلى خطابها التوعوي وصياغة خطاب توعوي تأثيري (الخطاب التأثيري) يوجه مباشرة نحو الأسرة والفرد لإعداده بالشكل الذي يتناسب مع أسرة ومجتمع اليوم، أيضا ينبغي دعم هذا الخطاب التأثيري بتشريع القوانين والأنظمة من المؤسسات المختصة بالأسرة، قوانين الحماية والعقاب، والتي تحمي الأسرة من الانجراف مع هذه الأفكار دون معرفة ودراية».

منى العتيبي

الدور المؤسساتي المفقود

«في تصوري أن مجلس شؤون الأسرة يتحمل مسؤولية كبيرة في تأصيل وتحديد الأفكار المناهضة للقيم الأسرية والمجتمعية، فجهوده ترتكز في مجملها على الدراسات واللقاءات للمهتمين والمختصين أكثر من تفعيل دور ومكانة الأسرة داخل المجتمع.

لقد أُغفل الجانب التوعوي وبشكل موسع ومكثف وبالتعاون مع الجهات ذات العلاقة، فالأسرة تحتاج إلى استعادة دورها الحقيقي كأسرة داخل مجتمع.

حينما ظهرت الأفكار المناهضة للقيم الأسرية والمجتمعية لم نجد حملات توعية مختصة وموجهة سواء من مجلس شؤون الأسرة، أو الجهات ذات العلاقة، وما ظهر من محاولات للتوعية مجرد اجتهادات شخصية وفردية لا يمكنها أن تسد زحام الأفكار المناهضة للقيم.

الحاجة الآن هي وجود برنامج وطني خاص بالقيم الأسرية والمجتمعية ينظمه مجلس شؤون الأسرة بالشراكة مع ذوي الاختصاص، لإعادة مفهوم القيم الأسرية والمجتمعية».

ابتسام القحطاني

تأسيس منظومة معتمدة للقيم السعودية

«يجب علينا تحديد قيمنا أولا وبالتالي الشرح العميق لما يترتب على الأفكار المناهضة، لدينا خلل في منظومة القيم ناتجة عن النقد المخيف للموروث الاجتماعي والديني، وصلنا إلى أن الكثير من ما كان يقال عليه الأحاديث النبوية، أصبحت لدى الجيل الجديد مجرد أقاويل أثرية غير منسوبة لأحد، وقد يكون ذلك صحيحا، ولكن أدى ذلك إلى سواد سلوك التشكيك في كل قيمة، لذلك يتطلب الأمر تأسيس وبناء منظومة للقيم السعودية تكتب أدبياتها وتعتمد من الجهات مثل مجلس الشورى وهيئة كبار العلماء وتصدر بمرسوم ملكي، بل وتكون من ضمن مستهدفات رؤية 2030».

علاء الملا

معادلة التوازن القيمية

«أول ما يتبادر للذهن هنا هو في الغالب الأعم مسألة الالتزام بالمظهر، وهذا وإن كان على جانب من الأهمية في احترام الثقافة السائدة إلا أن هناك الكثير مما يسبقه في (التراتبية الأخلاقية)، المجتمع هو حاصل جمع أفراده قيميا وأخلاقيا وسلوكيا، وفي المستوى الكلي تعلو وظيفة القانون في ترسيخ مبادئ الإنصاف والعدالة بين الناس بغض النظر عن ثرواتهم أو وضعهم الاجتماعي وهذا هو حجر الزاوية في خلق الثقة وحماية الحقوق والممتلكات الفردية، وفي المستوى الفردي تبرز أهمية الأطر المساندة فمن أهم هذه القيم الفردية؛ (تمييز الحق والواجب) و(الصدق) و(احترام الآخرين) فهذه الفضائل ضرورية لبناء الثقة والتعاون وتوليد مناخ إيجابي ومجتمع منتج وهي اللبنة الأولى للازدهار.. فما هي السمات الفردية المحفزة لإدراك هذا المسار يا ترى؟!

علاقة الدمج والاندماج بين منظومة القيم الفردية والمجتمعية ليست علاقة رتيبة، وعلى سبيل المثال الفكرة الشائعة بأن الشخصية ذات المواقف الصارمة للغاية تتمتع بالسلوك الاجتماعي المنشود هي اليوم محل نظر، تذهب الدراسات في علم الاجتماع إلى أن الأشخاص الذين يتخذون مواقف صارمة للغاية هم الأكثر عرضة إلى (التطرف السلوكي)؛ حيث توضح التجارب الحديثة أن أصحاب هذه الفئة ميالون إلى (انتهاك القانون) و(الخداع المجتمعي) بشكل أعلى بكثير من الأشخاص الذين يتمتعون بالمرونة، وبالتالي فإن الصرامة العالية في وجهة النظر ترتبط بعلاقة عكسية مع السلوك المجتمعي، والنتيجة سلوك اجتماعي سلبي غير المنشود وهذه مفاجأة غير متوقعة.. فما الحل؟!

إذا كان من نافل القول أن المعايير الاجتماعية الضعيفة تؤسس خلفية ضارة لازدهار المجتمعات؛ لأنه كلما ضعفت المعايير والأطر الصحية التي تحكم التفاعلات بين الناس تراجع السلوك الاجتماعي المتزن وانخفض منسوب التعاون بين الأفراد الذي هو أساس التقدم والتطور الحضاري، وحيث المنظور الثابت في (الفلسفة الأخلاقية) وجود علاقة طردية بين قوة العادات والأعراف الاجتماعية مع السلوكيات المجتمعية الإيجابية وهي ما يحكم معظم جوانب الحياة الاجتماعية للإنسان، فالاستنتاج المستنبط أننا في حاجة إلى سبر وجهة نظر الأفراد بشكل واقعي من خلال (استبيان الرأي العام) على مستوى الوطن بدلا من أخذ الطريق التقليدي بسن اللوحة المثالية.

أيما مجتمع متحضر يروم التقدم هو ملزم بدراسة المعايير الاجتماعية وصياغة (معادلة التوازن القيمية).. والشرط حكما أن يتم ذلك بشكل يحترم (قيم الأفراد) و(التنوع المجتمعي)!».

ريما رباح

مشاركة الرأي العام في بناء القيم

«بدون شك إن للرأي العام الذي ينشر عبر وسائل الإعلام المختلفة تأثيرا مباشرا على المجتمعات في أي مكان من هذا العالم الواسع الممتد عبر هذه البسيطة؛ لذلك يقوم الرأي العام بإثارة أفراد المجتمع وتهيئتهم لتقبل التغيير في أي مجتمع، أو تجهيزهم لإصدار قانون معين أو التعديل على أي قانون سابق.. وهذه أهم خطوة مؤثرة يقوم بها المجتمع العام بهدف النجاح في عمليات تقبل التغييرات.

كما أن الرأي العام يقوم بحماية القيم الاجتماعية ورعايتها ومشاركة جميع أفراد المجتمع ومنحهم الثقة في أنفسهم ومنحهم الحق في الالتزام بعاداتهم وتقاليدهم المتوارثة عبر العصور السابقة والمتوافقة مع ديننا الحنيف والعمل على إيجاد ثقافة شعبية مجتمعية لتأسيس القيم الأسرية والمجتمعية والدفاع عنها ولسعة الأفق ووجود الإعلام الحديث ووسائل التواصل الحديثة التي تنقل لنا ثقافات الشعوب الأخرى وعاداتهم وتقاليدهم التي لا تتوافق معظمها مع عادتنا وتقاليدنا وديننا الحنيف، وهنا تتصادم الثقافات... إن لم يكن هناك دور كبير للمثقفين والإعلاميين وأصحاب الرأي والفكر للتوجيه والمقارنة.

يجب محاسبة مسوقي التواصل الاجتماعي الذين لهم مخالفات بالجملة والخروج عن أعراف المجتمع بل عن القيم الدينية والاجتماعية؛ فيصورون حياة اجتماعية غير حقيقية، مشاهير بلا رقابة ذاتية، هدفهم الوحيد الشهرة والبحث عن المادة والنشر عبر القنوات عنهم وعن المبالغ التي يحصلون عليها على نشر تفاهاتهم عن طريق الإعلانات، شجع ذلك الكثير على متابعتهم وجعلهم قدوة لهم في هذا الزمن المادي البحت حتى وإن كان ذلك على حساب انحدار قيم المجتمع إلى الحضيض».

عبدالمطلوب البدراني