وليد الزامل

المدينة بين القوة الناعمة والبلطجة الخلاقة!!

السبت - 15 يوليو 2023

Sat - 15 Jul 2023

أشرت في أكثر من مقال إلى أن دور المخطط العمراني لا ينحصر في توزيع المناطق السكنية والتجارية وربطها بمسارات الحركة والمشاة أو التطوير الفني لمخططات الأحياء السكنية.

كل هذه الأمور لا تشكل سوى نتائج نهائية ملموسة لخطط مستقبلية أو استراتيجية عمرانية شمولية تلامس الجوانب الاقتصادية، والاجتماعية، والبيئية.

التصور المغلوط لتخصص التخطيط العمراني قاد إلى تهميش أدوار المخطط لعقود طويلة ولا سيما في سياق رسم مستقبل المدينة كتوجه استراتيجي وتطوير سياسات تستغل الموارد المتاحة وترتقي بأساليب المعيشة للسكان ليعيشوا بصحة وسعادة.

إن دراسة مناطق العمل وتوزيعها في نطاق المدينة والفقر الحضري، والجريمة في الأحياء السكنية، والعشوائيات، والنقل الحضري، وقضايا الإسكان، والتهميش الاجتماعي لبعض العرقيات في المدن كلها في طليعة اهتمامات المخطط العمراني.

هذه الإشكالات الحضرية غالبا ما تنشأ كأحد نتائج التركز السكاني في المدن وهو أمر لا مناص منه لتحقيق التنمية؛ ولكنها في الوقت ذاته يمكن أن تعيق أو تؤخر تحقيق المستهدفات أو التوجهات الاستراتيجية للمدينة.

وفي خضم الإشكالات الحضرية التي تواجه المدن هناك العديد من الجهود الحثيثة والجوانب المضيئة التي يجب إبرازها في سياق تسويق المدن ورفع مكانتها في السلم الحضري.

القوة الناعمة يمكن أن تكون واحدة من أهم الأساليب التي تتبعها إدارات المدن في الترويج عن المستهدفات والإنجازات والمشاريع النوعية، وتسهم هذه القوة في تعزيز دور المدينة لاستضافة الفعاليات العالمية والمعارض والمشاركة في المسابقات الدولية والعمل على رفع التصنيف الدولي للمدينة في المؤشرات البيئية أو الاقتصادية أو الصحية.

القوة الناعمة أيضا لديها القدرة على الجذب والإقناع دون إكراه وبشكل يزيد من تدفقات السياحة للمدينة والاستثمار والترويج للتصميم العمراني والإبداع ونشر الثقافة المحلية.

وفي مقابل القوة الناعمة يتأثر تسويق المدن ببعض الممارسات السلبية أو القوى المضادة من مجتمع المدينة منها على سبيل المثال انتشار ظاهرة التسول والتي تعد بمثابة «البلطجة الخلاقة».

دعوني أسوق لكم قصتي مع البلطجة الخلاقة؛ ففي الأسبوع الماضي توقفت بسيارتي أمام أحد الأسواق التجارية في مدينة الرياض وبينما كنت مشغولا بإخراج ابني الصغير من مؤخرة السيارة وإزالة حزام الأمان عنه وفي غمرة انشغالي يلتصق بي شخص من الخلف ليسألني (محتاج فلوس)؟ حاولت أن أتلافاه لأكثر من مرة ليس بخلا أو عدم رغبة بالمساعدة؛ بل لأني أعرف أنه لا يستحق ذلك. حاول معي مرة ومرتين ولم يغادر بسهولة. سألت العامل الموجود في المجمع التجاري فقال لي إنه متواجد منذ فترة في نفس المكان ولديه من الذكاء الشديد الذي يجعله ينتقي أشخاصا محددين، حيث ينتهز الوقت والمكان ويتحرى الفرصة للانقضاض في غمرة الانشغال. بعضهم يستغل العنصر النسائي أو الأطفال ويسرد عليك قصصا وحكايات أغرب من الخيال لكي تقتنع أنه محتاج. لقد وضعت الدولة نظاما واضحا لمكافحة التسول بنوعيه التقليدي والالكتروني سواء كان مباشرا أو غير مباشر وعدته جريمة يعاقب عليها القانون فلا فرق بينه وبين السرقة، فالسارق يطلب منك الأموال مباشرة وتحت تهديد السلاح؛ أما هذا النوع من التسول فهو أشبه بالبلطجة الخلاقة التي تستخدم أسلوب الهندسة الاجتماعية بوتيرة سحرية تجعلك تحاول أن تتلخص منه بأي طريقة فتعطيه لتمضي في حال سبيلك.

في الختام، أتمنى تكثيف دور الجهات الرقابية في مكافحة التسول في المدن، وألا تؤثر هذه البلطجة على جهود المدينة في سياق التحول نحو المدن العالمية والترويج السياحي والثقافي لها.

waleed_zm@