صالح العنزي

(كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم)

الخميس - 13 يوليو 2023

Thu - 13 Jul 2023

ترى رجلا بالخمسين من عمره يلوم ويحاسب بعنف ابنه الصغير صاحب العشر سنوات؛ بخطأ بسيط كان يرتكب أضعافه عندما كان في مثل سنه، وتشاهد أما تنتقد ابنتها الشابة قليلة الخبرة بحدة وقسوة وتنسى ما كانت عليه في ذلك العمر، وتجد مديرا يحاسب موظفا أشد المحاسبة على أمور يمكن معالجتها وقد كان هو يفعلها بقصد أو بدون قصد في بداية عمله وكان يتأذى من محاسبة مديره له، وتسمع عن أستاذا يعطي طلابه المثاليات صعبة المنال؛ وهو يعلم كيف كان عندما كان طالبا في مثل سنيهم، (وأتحدث هنا فقط عن الأمور البسيطة وليست الجنايات وحقوق الآخرين التي يحاسب عليها النظام والقانون).

ما ذكر أعلاه هي جزء مما نمارسه غالبا مع غيرنا عندما ننضج فكريا وعمليا وماليا وتجاريا وقد ننسى أو نتناسى أننا كنا يوما ما في مثل وضعهم وشعورهم وكنا نتمنى أن نعامل بأفضل صورة؛ لأننا كنا نصيب ونخطئ ونكسب مرة ونخسر أمرارا وما نحن به الآن هو من فضل ربنا وكرمه ومن حسن شكر فضل الله علينا ومن عظيم امتنانا له؛ أن نلطف بمن ولينا أمرهم أسريا أو تعليميا أو وظيفيا أو غير ذلك، ولنكن شركاء بأن يستفيدوا من خبراتنا ويوظفوا أخطاءهم في التقدم نحو الأفضل، وأن نأخذ بأيديهم ونساعدهم ونتفهم ما يمرون به من بدايات أو تحديات أو تغيرات نفسية ومجتمعية وصحية، ونبتعد عن المثاليات التي قد لا تضيف لهم شيئا، ونحن قد نكون في وقتنا لم نطبقها، أو وجدنا من تجاوز عنها أو ساعدنا في تجاوزها، وأن نكون واقعيين في النصح والتوجيه والدعم، ونعلم أن إنسان اليوم الذي أمامي لن يكون هو بعد عشر سنوات، فسيكتسب المعرفة والمهارة والخبرة وسينضج، وستتغير أفكاره وسلوكياته، فلا نجعل من قصورهم البسيط سببا معيقا لهم لأن يكونوا أفضل في المستقبل ولنضع أنفسنا مكانهم ولنستذكر قول الله تعالى (كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم).

فكم من شاب أو فتاة تعرضوا لنوع من التوجيه المثالي الخاطئ بأساليب قاسية لم تؤت ثمارها وكان بالإمكان تعويضها بالتوجيه المناسب تارة وبالتغاضي تارة أخرى، وبالقدوة الحسنة لسلوكيات يرانا نمارسها أمامه، فهي أبلغ في الأثر، ولا نبالغ في ذلك فينعكس على بنيته النفسية وينحرف في طريق الضياع، أو ينشأ بشخصية كارهة لواقعها فتصدر منه سلوكيات أكثر حدة مما تعرض له.

وفي المجمل؛ الحياة هي رحلة محطاتها تجارب وخبرات وأكبر مصادرها هم من نتعامل معهم في محيطنا الأسري أو العملي أو الاجتماعي ونستفيد منهم ونتأثر بهم، فكم ونحن في طفولتنا وبدايتنا العملية زرع بعضهم في قلوبنا الكثير من بذور الأمل والتشجيع التي أثمرت وأينعت، وآخرون زرعوا بذور قاسية لم تثمر ولكنها أبقت مشاعر قد تجاوزها بعضنا، وآخرون أخذتهم في طريقها وكان بالإمكان أن يكونوا أفضل لو أدرك من كان يرعاهم أنه كان بالأمس مثلهم فمن الله عليه.