ثريا أحمد

الاكتئاب والحل

الخميس - 13 يوليو 2023

Thu - 13 Jul 2023

شاهدت مقطع فيديو لليوتوبر الشهير بندريتا، وكان يتحدث فيه عن تجربته مع دوامة الاكتئاب، ومرارة تلك التجربة، وأحببت أن أخوض في هذا الموضوع لعل أحدا قد يخرج من دوامة الإعصار.

العقل يا أخي الفاضل كالجسم، يحتاج لراحة ليستجمع قواه للآتي، فلو أنك حملت غرضا في يدك يوما كاملا، فإن يدك سيصيبها العطب، ولن تقوى على حمل نفسها، هناك أشخاص يعانون من الاكتئاب لعشرات السنين، وأشخاص يعانون مشاكل أسرية أو مادية أو اجتماعية، وهم في سقوط لا يمكنهم التوقف منحدرون إلى المجهول، لن أبالغ في القول إن الحل هو نص ساعة كل يوم؛ تفرغها لعقلك المسكين، الذي أنهكه التفكير وضغوط العمل ومطالب الحياة.

هب أن لديك بالونة كحجم مدينة كبيرة، وأنت تنفخها كل يوم على مدار السنين، فإنها ستنفجر يوما في وجهك لتهلكك، ولو كنت تضع فيها تنسيما صغيرا جدا لا يذكر، فإنك ستنفخ فيها ما حييت دون خوف أو قلق أو كوابيس.

إن عقلك يحتاج منك نصف ساعة كل يوم على مدى خمسة أيام في الأسبوع، بمعنى ساعتين ونصف من أصل 170 ساعة، أتبخل عليه بهذه السويعات القليلة، وهو مصاحبك ونافعك ومدبرك ما دمت تستنشق الهواء وتسمع دقات قلبك؟

إن من الأشخاص من يعانون التدهور في العلاقات مع أنفسهم ومع عائلاتهم أو أبنائهم أو في مجال أعمالهم.. والكثير الكثير من الأشخاص يبحثون عن حلول لمعضلات حياتهم دون جدوى، وهناك من لديه كل شيء لكنه عاجز عن الانسجام مع نفسه ومع من يحيطون به.

تصور لو أن لديك دولابا لمقتنياتك وذكرياتك، وأنت ترمي فيه بعشوائية كل يوم، سيأتي يوم لا يمكنك وضع حتى إبرة خياطة، ولو كنت تخرج منه ما لست بحاجته، فإن أحفادك سيتوارثونه؛ لأنه سيظل صالحا لأكثر مما تتصور.

إن الأوليين من أبائنا وأجدادنا؛ لم يعانوا من ذلك، رغم قسوة الحياة وصعوبة العيش وضنك المعيشة، وذلك لأنهم يعيشون في الهواء الطلق، ومجبرين على مخالطة الآخرين، حيث لا مكان للعزلة والانفرادية. وهذا كان سبب تقبلهم لكل شيء، ورضاهم عن كل شيء، وأرواحهم التي تحلق سعيدة مع كل شيء.

والآن السؤال المهم: ماذا أفعل في هذه النصف الساعة؟

حينما تغطي وجهك بغطاء أسود لبعض الوقت، فإنك بالكاد تبصر.. وهذا ما نفعله بأنفسنا أغلب الأحيان، حيث نغطي وجوهنا في أوقات الأزمات مما يعمينا لرؤية الحياة من جديد، اهد لأغلى ما تملك هدية يومية، لتنعم بالبصيرة والتوفيق والسعادة، لن يكلفك مالا ولا جهدا ولا سهرا في الليالي.. نصف ساعة يومية تظل بمفردك بمكان هادئ، وجوالك وأجهزتك مقفلة أو خارج الغرفة، والنور خافت وهناك شمعة أو مصباح خفيف أو منظر جميل تنظر إليه، أغمض عينيك وخذ شهيقا وزفيرا عدة مرات، وهنا ستتقاطر عليك الأفكار من كل حدب وصوب، لا بأس؛ كل ماعليك هو عدم الاسترسال في هذه الفكرة، ومحاولة التوقف عن التفكير فيها بهدوء بدون ضغط على تفكيرك.. ستتبعها فكرة أخرى وثالثة وعاشرة، لا تنزعج فقط توقف بهدوء عن الاسترسال في الفكرة تلو الأخرى.. بعد انتهاء الوقت انهض لترفرف في حياتك.

بعد ثلاثة أيام ستجد الأمر أسهل بكثير، وبعد عشرة أيام ستجد متعة كبيرة في التأمل، وسترى حبك للانسجام مع نفسك والخلوة بها وستكون صديقا عزيزا مع ذاتك.. هكذا سيتعود عقلك تدريجيا لإيقاف الأفكار وعدم الاسترسال فيها، فإذا ضايقك مديرك في العمل، فإنك ستعود بسرعة إلى راحة بالك، وإذا أغضبت زوجتك أو كدر عليك ابنك، فإنك ستعود بسرعة إلى رشدك.

وليست هذه الغاية من التأمل، بل حتى تتنور بصيرتك وتفهم مشاعرك وتفسر احتياجاتك وتتفهم ذاتك، فتصح علاقتك مع نفسك وتنسجم مع زوجك وتهنأ بالعيش مع أبنائك.

بل ستواجه مشاكل الحياة بهدوء أكثر، وعقلانية أكبر، وستشعر أنك تحت ضوء الشمس تبصر ماكان عليك مبهم، فتعرف كيف تكمل مشروعك، وتدخر مالك وتتوسط بين فقرك وغناك.

لنقل أنه ليس لديك الوقت لهذه النصف ساعة، أو غير مقتنع بهذه الترهات والمبالغات.. لا بأس؛ لكن هل تسدي لنفسك معروفا، فتكون لديك خطة تقوم بها في حال شعرت بالضيق والكدر!

كأن تسير في هواء طلق، أو تقدر كتابا أو تسمع لموسيقى هادئة أو تطهو وجبتك أو تسير لوقت في سيارتك أو تراقب النجوم في السماء، أو تريح عقلك وجسدك في مغطس البانيو لبعض الوقت، أو تذهب للتسوق أو حتى أن تشرب كوبا من العصير أو تتناول قطعة من الشوكولاته.

إن الضيق والعزلة قنبلة موقوتة، وإن الأشخاص الذين بطبيعتهم يحبون الحركة، أقل عرضة للاكتئاب من القابعين في أسرتهم، وإن الأشخاص الذين يهرعون لصنع شيء ما عند الشعور بالضيق؛ ينجون من الكآبة التي كثرتها تؤدي إلى اكتئاب مظلم قاس محطم.

إن بقاء الضيق في داخلك دون أن تكون لديك سياسة للقضاء عليه، تأكد أنه سيقضي عليك يوما ما.

وأخيرا إذا كنت تتمتع بصحة نفسية جيدة، فحصن نفسك مما هو قادم، فالمرء حين يكون في الاعصار فإنه لا يشاهد سوى الدمار، تأمل يوميا حتى حين يدخلك القدر في عين الإعصار تكون قادرا على الرؤية بوضوح.