زهير ياسين آل طه

الذكاء في إدارة العافية لمتقاعدي سابك

الأربعاء - 12 يوليو 2023

Wed - 12 Jul 2023

لقد تركت الباب مفتوحا حينما أشرت إلى الذكاء في العنوان دون تحديد نوع معين بذاته، وأحببت أن أترك الاختيار متاحا للجادين من القياديين للانطلاق بقوة لكسب الثقة والتحدي لتحقيق الهدف الذي من أجله يسعى كل قيادي ملهم للوصول إليه ليس فقط لذاته، بل بما تقتضيه الأهداف السامية للمجتمع الغالي الذي نعيش فيه، وعلى ترابه انبثقت رؤية تكاملية تحددت بعام 2030، ويقودها الملهم الأكبر صاحب السمو الأمير محمد بن سلمان آل سعود ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء حفظه الله.

فالذكاء مرتبط بالقيادة لأجل نمو الإبداع ومنه إلى ثلاثة أعمدة «البحث والتطوير والابتكار»، التي تأسست له هيئة مستقلة ترفع شعارا مهما ومعلنا يتوافق مع أولويات المملكة في «صحة الإنسان» واستدامة البيئة والاحتياجات الأساسية والطاقة والصناعة وفي اقتصاديات المستقبل، ومسك القادة (قادة 2030) هم الثمرة المستقبلية القادمة لصناعة الذكاء بكل أنواعه، فقد وجدوا ليكونوا متميزين ويجمعهم هدف واحد من أجل تحقيق الرؤية الطموحة للمملكة وعلى أرض الواقع، وبما يتوافق مع الأولوية التي تستند في منظومتها على أعمدة القوة الثلاثة.

فهل قياديونا الذين يديرون شركات الصناعة والطاقة يعملون بتعمق لدعم مسيرة وأهداف هيئة البحث والتطوير والابتكار، ويستشعرون الحاجة الماسة للدفع بالشباب المتحمس من القياديين لهذا البرنامج العظيم (قادة 2030)، ليحلوا محلهم مستقبلا بعد تقاعدهم ويساندوهم قبل تقاعدهم لتحقيق الأولويات ومنها «صحة الإنسان» التي تصنع السعادة لأجل جودة حياة تسعى لها الرؤية؟

فالسؤال هذا يطرح على نموذج يحتذى به ومفخرة كعلم شاهق في القمة التنافسية العالمية البتروكيماوية بكل جوانبها الاقتصادية والعلمية والاجتماعية والبيئية، ويتمثل في شركة سابك العملاقة في قدرتها على الاستثمار بذكاء في إدارة العافية لموظفيها ومتقاعديها الرواد ومن ضمنهم المبكر مع من يعولون شاملا الوالدين والزوجة والأبناء تحت مظلة المسؤولية الاجتماعية الممتد في مواقعها العالمية، وبالشكل الذي ينطوي على طموح الرؤية المباركة؛ لأنها وبلا شك تؤمن «بصحة الإنسان» ضمن أولويات الاستثمار والنمو والمكتسبات البشرية والمادية، مما يجعل نفوذها العالمي بما تصنعه من أعمال إنسانية واجتماعية لموظفيها ومتقاعديها ومن يعولون أولا يمتد عمقا نحو التنافسية للقمة وبشكل تسارعي لتخطي المراتب، وإن تخطت المسارات الإبداعية وبشكل أوسع «وهي أهل لذلك» بذكاء استراتيجي واجتماعي وعاطفي من خلال قيادييها المتمرسين الذين لو أسهموا بخبراتهم مع الجديد من برنامج قادة 2030، لأحدثوا تغييرا جذريا يساند التسارع الشامل في النمو والازدهار لسابك ولغيرها.

ولو استخدمت المنشآت الحيوية تحليلات الذكاء الاصطناعي كأحد أنواع الذكاء المتاح الذي أشرت إليه في المقدمة، في تقييم نموهم ومكامن الخطر في استثماراتهم ومصاريفهم من منظور محاكاة الابتكار وقياس الابتكار ISO 56008 الذي تؤسسه حاليا الأيزو العالمية ومشاركة المملكة معهم في التأسيس كأحد عائلة مواصفات إدارة الابتكار ISO/TC 279، وقريبا سيتم الانتهاء من صياغته والنشر، وأعني هنا بمصاريفهم المليارية لسنوات مركزا على «صحة الإنسان» ذات الأولوية للمملكة؛ لأنه الأساس في صناعة التغيير وحصد المكتسبات من خلال البحث والتطوير والابتكار وفي تحليل مقومات إدارة العافية بكفاءة عالية محل تركيزنا في هذا المقال، لتربعت عالميا كل منشآتنا الحيوية على جبل صلد من الذكاء والإبداع والابتكار يصعب تكسيره بسبب ثرواتها البشرية القوية السليمة.

ولو ركزنا على مطلب مجلس الشورى مؤخرا بدراسة أسباب ارتفاع نسبة التقاعد المبكر وخسارة الثروة البشرية في النمو والازدهار، لوجهت الأنظار إلى تقوية الانتماء والولاء اللذين يصنعان الإخلاص في العمل والاستمرار، بسبب سعادة الاستمتاع بالإبداع الذي يتحقق بمخرجات كفاءة الإنتاج والمكتسبات لكلا الطرفين، وأحد أسباب التقاعد المبكر وليس الوحيد خاصة في مواقع كامنة الخطورة؛ وهو الخوف من مستقبل الصحة والعافية في العمل في منشآت صناعية وبتروكيماوية بغض النظر عن إجراءات السلامة المشددة المتبعة، والتي ولله الحمد تشهدها منشآتنا بعد مضي سنوات من التجارب والتطوير بقلة الإصابات والحوادث المميتة وباستدامة بيئية عالية، وأن العمل بذكاء استراتيجي واجتماعي وعاطفي يدار بالذكاء الاصطناعي للتحليل والتقييم لكل معطيات الحقوق العمالية والعدالة التقييمية والحوافز «ومنها التأمين الطبي الشامل مدى الحياة»، والذي يحقق مفهوم إدارة العافية للموظفين وللمتقاعدين الرواد ومن ضمنهم المبكر ومن يعولون وبمن حولهم في الأسرة؛ سيصنع الفرق وسيحقق البقاء للثروة البشرية المنتجة وسيقلل من نسبة التقاعد المبكر.

في النهاية؛ لنأخذ فكرة الاقتطاع الشهري الاختياري لدى أحد الشركات على موظفيها الجدد كشرط تأمين العلاج بعد التقاعد، ونعمم الفكرة ونوسعها لتصبح قانونا تفرضه وزارة الموارد البشرية وبدعم مجلس الشورى، بدعوة كل المنشآت بالاقتطاع على كل موظف قديم وجديد وكل متقاعد ومنه المبكر على حد سواء بطلب الموافقة عليه لمن يريد العلاج بعد التقاعد ولمن يعول شاملا الزوجة والأبناء والوالدين بمبلغ 100 ريال تقريبا «يزيد أو ينقص» مقابل مساهمة مماثلة من المنشأة تستمر بعد وفاة الموظف لأسرته في العلاج، وإن كان المتقاعد يتحمل اقتطاعا لخمس سنوات مقدما ليضمن علاج من يعول بعد وفاته، كحل ذكي مع دراسة تحليلية من وجهة نظر المحافظ الاستثمارية والتأمين على الحياة، لخفف بالتدريج ميزانيات مصاريف العلاج التأمينية المليارية التي تدفعها سنويا المنشآت لعلاج موظفيها الحاليين ومتقاعديها المدرجين في سياستها أو من ندعوهم لإدراجهم ومن يعولون بمن فيهم الوالدين بمساهمتهم الشهرية، والدفع بإدارة العافية من خلال التأمين الطبي مدى الحياة والتشجيع عليها بشكل واسع في كل القطاعات وبكل مقوماتها من رياضة وتوجيه ومتابعة صحية وغذائية ونفسية؛ سيساعد وزارة الصحة في تحقيق هدفها التأميني الشامل، وسيجنبها تبعات أمراض الصناعة للمتقاعدين غير المؤمن عليهم مدى الحياة، والتي مفترضا لا تتحملها لوحدها.

نفحة أمل بسبب إدارة العافية وتمامها مدى الحياة؛ سيدعم المتقاعدون الرواد المبدعون الأصحاء السعداء المؤمن عليهم مدى الحياة منصة «جدير» المعنية بتطوع الخبراء نظير الانتماء والولاء واستمرار العطاء بعد التقاعد، وهذا مكسب لا يقاس بمال، مبني على اعتبارات وطنية يفتخر بها المتقاعد السليم في قدرته العقلية والفكرية والنفسية على الاستمرار بمساهمته في ازدهار وطنه.

zuhairaltaha@