خضر عطاف المعيدي

الدكتور الوهمي!

الاثنين - 10 يوليو 2023

Mon - 10 Jul 2023

من الأمراض المستشرية في أغلب المجتمعات وأخص منها النامية هو حب الإطراء والتوسع في تنميق الألقاب، «يحرَّم ويجرَّم» من خلالها ذكر اسم الشخص مجردا بدون لقب مرفقا به كأستاذ، ومهندس، ودكتور.

وهذه أدت بدورها إلى البحث عما يروي هذا العطش بطرق غير مشروعة منها البحث عن - مكاتب عقار - قد خصصت لبيع الشهادات من جامعات وهمية ليس لها وجود على سطح الأرض أو البحث عن مواقع «بناء وتشطيب: نسلمك بالمفتاح» لينام ويستلم المكتب بحثه من الألف للياء.

وكما يقال «كذب وصدق كذبته»، يطرقها كل من فقد إنسانيته ودينه وأمانته ليدفع مبلغا من المال لكي يحصل على لقب (دكتور)، هل يعقل بأن الدكتوراه قد تمنح في أقل من شهر، وأن تكون من جامعة أجنبية، والحاصل عليها لم يغادر البلد ولا يلم بها جغرافيا لكنه ربما أسري به بقطع من الليل.

ثم لا يستحي من الله أولا قبل المجتمع بأن يخصص زاوية في إحدى الصحف، ليعلن عن حصوله على الدكتوراه وبتفوَّق، أي معادلة هذه التي تجعل منك راضيا بأن تنال مثل هذه الشهادة، كيف ستجيب على سؤال زوجتك التي تعرفك جيدا وقد بشرتها بأنك قد حصلت على الدكتوراه وأنت قابع في الاستراحة ولم تسافر ولم تلتقي بمشرف لبحثك، ولم تقض وقتا في المكتبة، ولم و لم... فكيف ستنجو من جريمتك؟

ومن المخزي فعلا بأن كثيرا من أفراد المجتمع لا زالوا ينادون مثل هؤلاء بلقب دكتور، وهم يعلمون علم اليقين بأن حرف (د) الموجود أمام أسماء أغلبهم هي أبعد ما يتصور من مفردة (دكتور) وأقرب أشد القرب لمفردة (دجال).

لماذا يسرح ويمرح مثل هؤلاء بل ويقيمون دورات تدريبية وتثقيفية للمجتمع خصوصا فيما يطلق عليه -بالتنمية البشرية- وما إلى ذلك وهم أبعد من أن ينموا أنفسهم، ومن المؤسف أيضا أن تكون حواضن هذه الدورات مؤسسات تعليمية وأكاديمية بدون أدنى تدقيق للألقاب التي قد أضافها أكثرهم والدورات التي تعج بها سيرهم الذاتية من دول متعددة أغلبهم لا يعلم موقعها حتى على محرك Google.

أليس من الضروري الآن الوقوف بصرامة تجاه مثل هؤلاء المتطفلين على العلم من البشر الذين قد استغلوا ضعف الضمير، وقلة الخوف من الله لكي ينحتوا لأنفسهم ألقابا تجعل لهم حظوة في المجتمع دون أدنى رقيب.

إنني أناشد وزارة التعليم ونزاهة بتشكيل لجان تنبثق منها لجان لتبحث في صفحات ومواقع أكثر هؤلاء الذين يقدمون الدورات التدريبية، ومن قد وضع من نفسه «علما على رأسه نار»، وهو لا يعدو كونه دخانا يتطاير في السماء من أثر عوادم السيارات، ليتم التأكد من كل ما حصل عليه من دورات وشهادات.

ألم تحن الساعة لكي يتغربل كثير من الذين قد حملوا لقب دكتوراه؛ لأنهم والدكتوراه كراحة الكف وباطنها، أتمنى ألا يعود الحال بنا بأن نجد يوما من قد بسط فرشته أمام الأسواق ليحرج على أسعار الشهادات وأنواع التخصصات.