خالد العويجان

مدارس الحكم في الخليج

الاحد - 09 يوليو 2023

Sun - 09 Jul 2023

بنظرة فاحصة، شاملة، يتضح أن أغلب الأنظمة الديموقراطية لا تملك من الأركان ما يخولها ويمنحها الاستمرارية.

جل الانقلابات على مدى التاريخ استهدفت أنظمة ديموقراطية.

الاستقرار والثبات هما الحلقة المفقودة في ذلك الأسلوب السياسي.

كيف لا، وهو الذي لا تضبطه موازين ثابتة، بل ويمنح المجال حتى للحمقى، أن يتصدروا المشهد، ويتزعموا دولا بشعوبها ومقدراتها.

وهذا أحد أبرز مساوئ ذاك المنهج السياسي، والأحداث التاريخية تثبت ذلك.

وهذا النظام في شكله ناعم، وفي دواخله ودوائره ملغوم، وقد انغر به كثير من الأدباء والمثقفين والشعراء العرب في عدد من التجارب الديموقراطية، ومهدت للبعض منهم بعد أن أصابه الغرور؛ لأن تنبري سهامه نحو الأنظمة الملكية، التي كثيرا ما نعتوها بالنقص تارة، والتخلف تارة أخرى.

فعلى سبيل المثال كان شعراء لا سيما «عرب الشمال» يصفون دول الخليج بـ «العربان» كناية عن البداوة النابعة من موروثها التاريخي، ومع الوقت تحولوا إلى لاهثين وراء العيش تحت سقف أي دولة من تلك الدول، بعد إثبات فشل تجارب دولهم الديموقراطية، التي جاءت بسياسة لا تتناسب معهم، ولا مع حكامهم، ولا حتى مع شعوبهم.

وبناء على هذا القول يجدر بي طرح سؤال: هل تستحق التجربة السياسية في العراق – عراق صدام حسين – أن تصبح نموذجا سياسيا يمكن النظر له، أو يعتبر منهجا يمكن السير وفق خطواته؟ حتما لا.

وكذلك ينطبق الأمر على – عراق نوري المالكي والميليشيات الشيعية – في وقت لاحق.

وهل يمكن أن تكون القماشة السياسية لحزب البعث في سوريا الأسد – الأب والابن – صورة وردية يافعة، حرصت على التعليم وإنشاء جيل يحمل صورة الدولة الحضارية؟ طبعا لا.

لانشغال النظامين بجنازير الدبابات. ولا تبتعد عن ذلك مسيرة البشير في حكم السودان. وعلي عبدالله صالح في اليمن.

والإخوان المسلمين في تونس ومصر. فكلها تجارب تتشابه في الفشل بدون أدنى شك.

ومع مرور السنين المتلاحقة، والتجارب البائسة، أثبت «الخريف العربي» الذي اندلعت شرارته الأولى في تونس عام 2010، وانتقلت كرة النار لدول مجاورة؛ إنه بلا جدوى، فقد فضح هشاشة الأنظمة الحاكمة في تلك الدول، والتي أصيب الكثير منها بالانهيار المفاجئ؛ وأكد أن الفوضى الشوارعية والهمجية القائمة على الهتافات والضجيج ليست هي الحل المجدي، ولا الوسيلة للبحث عن الاستقرار السياسي والاجتماعي. وذلك له تفسيران.

الأول: وجود الوجه غير المناسب في المكان غير المناسب.

الثاني: تأثر الشعوب بالنماذج الغربية؛ التي تصور الديموقراطية بأنها المنقذ، وهذا فخ وقعت به كثير من دول العالم العربي، انتهى بفشل تطبيق هذا الشكل من النظام السياسي.

أعود لصلب موضوعي في العنوان، والذي كلفني شرحا تفصيليا أرهقني أكثر من الفكرة، فما أردت الحديث عنه هذا اليوم، هو علو كعب الأنظمة الملكية عن غيرها، والمجال غير متاح للمقارنة.

فالموقف السعودي الكويتي المتطابق حول حقل «الدرة» الذي طالته اليد الإيرانية، يحكي عن تناغم وانضباط في السياسة الخليجية، التي تحكم عبر مدارس حكم تاريخية، شكلت نبراسا للدول المستقرة، في هذا الجزء الهام من العالم.

وبنظرة فاحصة وشاملة، يمكن فهم تسابق الدول الغربية على التوافق المستمر مع دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، التي تثمل البيت الجامع الكبير، لهذه الدول المترابطة في الأساس من الناحية الاجتماعية، وهذا ما تضع له بيوت الحكم تلك، اعتبارا إنسانيا بالدرجة الأولى وقبل كل شيء، إذ عماد هذه الدول، الإنسان، ومن أجله تبني وتنهض، وتصارع الأمواج العاتية، والرياح القادمة من هنا وهناك؛ لذا يحق القول إن نماذج الحكم في منطقة الخليج، هي عبارة عن مدارس حكم لا أنظمة.