عادل الحميدان

فرصة لإعادة النظر

السبت - 08 يوليو 2023

Sat - 08 Jul 2023

يبدو أن الحضور السعودي القوي على كافة المستويات الدولية قد بلغ مكانة لم يعد حتى لخصوم المملكة إلا التسليم بها والتعامل وفق مقتضياتها.

ويبدو أيضا أن أي حديث عن قدرة المملكة على التصدي لكافة الملفات الشائكة إقليميا بكل كفاءة بات من المسلمات التي أصبح مجرد مناقشتها عبثا لا يستحق سوى التجاهل.

هذا الحضور وهذه الكفاءة لم يحدثا صدفة أو سدا لفراغ خلفه آخر، بل تحقق نتيجة لعمل شاق زاد من صعوبته ذلك الاستهداف الممنهج الذي تتعرض له المملكة منذ زمن طويل.

راهن الغرب مبكرا على أن المارد السعودي لن يكون مجرد لاعب ثانوي في المسرح الإقليمي، وعمل جاهدا على استغلال نفور الدولة الصاعدة من الإيديولوجيا الشيوعية.

وحاول خلال عقود التعامل مع الخصوصية السعودية بحذر شديد، فالمبادئ التي قامت عليها المملكة شديدة الصلابة، ورد فعل الرياض قد يسبق الفعل المخالف لهذه المبادئ في كثير من الأحيان.

مع تصاعد الحرب العراقية الإيرانية، وما تلاها من غزو عراقي للكويت حاول الغرب استغلال الملف الأمني وتوجه دول المنطقة إلى تطوير منظوماتها الدفاعية لزيادة الضغوط على المملكة لتغيير ما يتعارض من سياساتها مع مصالحه من جانب، مع تدخل سافر في شؤونها الداخلية من جانب آخر بغية الوصول إلى نموذج تابع يسهل تطويعه.

وهو الأمر الذي لم يتحقق، فلا تعطيل لصفقة عسكرية يجدي، ولا دعم لطرف مناوئ سياسيا وعسكريا أصبح يمثل قيمة على طاولة المحادثات مع المملكة.

الوضع ذاته ينطبق على ملفات حقوق الإنسان والمرأة والحريات الدينية وحرية الرأي وغيرها من الشعارات التي أصبح ترديدها إعلاميا مجرد أداء لواجب فرضته ظروف انتخابية داخلية في تلك الدول لا علاقة للسعوديين بها.

واصلت المملكة صعودها القوي، واستمرت الدوائر السياسية الغربية في قراءة ذات الكتب القديمة، واتسعت إثر إصرارها على اتباع ذات النهج الميكافيللي دائرة الرهانات الخاسرة.

ووصلنا إلى الواقع الحالي المتمثل في أن المملكة لم تعد مجرد عضو في مجموعة بل قائد لتحرك سياسي أو اقتصادي من الصعب مواجهته ناهيك عن فرض إملاءات عليه.

لا يرى السعوديون الغرب بعين الريبة أو التوجس كما يعتقد البعض، ولم تكن المدنية الغربية ممقوتة يوما ما، والأمر كذلك فيما يتعلق بمنظومة القيم والثقافة والعلوم، فقد كانوا ولا يزالون يأخذون منه ما يلبي احتياجاتهم ويسهم في تطوير بلادهم مع تقديرهم لطبيعة الاختلاف مع الآخر، فلا يمكن لعاقل أن يتجاوز الحضارة الغربية وتأثيرها على تطور البشرية.

لكن الفارق الذي ترفض بعض الدوائر السياسية الغربية الاعتراف به هو استقلالية الدول وسيادتها، وتمسكها بثوابتها وقيمها الدينية والاجتماعية واعتزازها بهويتها وثقافتها.

نشهد حاليا تهاوي جملة من القيم الغربية التي كانت سلاحا يشهره القوم في وجه من يخالفهم، فالحقوق تنتهك والحريات تتهاوى على مرأى العالم، حتى وصل الحال إلى أن المهاجرين من دول العالم الثالث باتوا يبحثون عن خيارات أخرى بعيدا عن بريق تمثال الحرية وصوت دقات بيج بن وظلال قوس النصر.

لا يهمنا بأي حال من الأحوال ما يحدث في ذلك الجزء من العالم من صعود أو هبوط بقدر ما يهمنا بناء وطننا، وأمن واستقرار محيطنا، فنحن نعرف من نكون وما نمثله، وسنترك هذه المرة للآخر فرصة إعادة النظر في تقييمه لعلاقته معنا، بعيدا عن تلك المدونات العتيقة والرؤية القاصرة.

UNITEDADEL@