محمد سعود المسعود

رجال للإيجار!

الأربعاء - 05 يوليو 2023

Wed - 05 Jul 2023

كل حي متحول ومتحرك، إما إلى الأفضل أو إلى الأسوأ، صعودا عما هو عليه إلى ما هو أفضل منه، أو نزولا إلى ما هو أسوأ وأدنى وأقل قيمة، فلا وقف ولا توقف (لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر).

حتى الوقف في المسير إما يقظة أو غفلة، إما تبصر أو عمى، إما تذكر أو نسيان وتيه.

وقد تحولت (التفاهة) إلى منتج اقتصادي ينتج المال ويحقق الثروة، ويتزايد الطلب على كل منتجاتها في تنام مطرد، مما يغري بمزيد من الإنتاج له والتنوع فيه، وتوسيع دوائر انتشاره.

كل مجتمع يقبل على ما يلائمه وما يبحث عنه، لذا لا يوجد (تافهون) دون مجتمع يرتضي تفاهتهم ويقبل عليها ويدفع ثمن انتشارها، ويسوق الثراء السهل لمنتجيها.

وفي مبدأ العرض والطلب في السوق تعد المجتمعات المستهلكة للتفاهة هي المنتج الحقيقي الوحيد لها، فهي التي تقبل عليها وتبررها وتقدم المكافأة السخية عليها، وإن شتيمتها المتكررة للتافهين مع إقبالها الشره عليهم هو السعي لإضفاء صفة الترفع عن رذيلة لا تملك القدرة على الترفع عنها، ولا تملك شرف الاعتراف بالضعف أمامها.

وكما جرت عليه الأمور، كما ترسم مساراتها الوقائع، وبعد أن أصبح المال يأتي من (عدد المتابعين) و(عدد المشاهدات) عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تحولت التفاهة في المجتمعات العربية إلى (ابتذال متوحش) في الوقاحة وعسف الجهل، وانعدام المروءة، فبات من المألوف جدا (استعراض رجل مواضع مثيرة من جسد زوجته)، بحيث تصبح (متعة جنسية بصرية) مشاعة لكل متابع له!.

وسهل الهوان على الناس، حتى إن بعضهم يؤجر نفسه على (قناة تلفزيونية) ليتم الإمعان في إذلاله، وإهانته جسديا، ولفظيا، بصنوف الإذلال والإهانة، ثم يبث كمادة للتسلية والسخرية بالضيف الذي وقع في (مصيدة القناة)، وهكذا يؤجر الضيف نفسه للسخرية منه، والتنكيل به، وإذلاله أمام العالم كله مقابل الأجر المتفق عليه.

في الهند يتم تدريب القرود من صغرها على حركات غير مألوفة ولا معتادة، خاصة بالجنس البشري، ولا ترتقي إليها القردة عادة، بغرض تأجيرها للتسلية بالساعة، وكذلك أفعى الكوبرا الراقصة، والدب الذي يمشي على الحبال، وغيرها من الحيوانات بعد فترة طويلة وقاسية من التدريب والتأهيل. ولكن حدث التحول إلى الأسوأ وباتت المجتمعات الباحثة عن التفاهة والمنتجة لها، تنتج رجالا للإيجار!، فهو في سبيل الحصول على المال خلال المشاهدات والمتابعين يمشي كالدب على الحبال، ويرقص عاريا كالأفعى، وينبح كالكلاب المدللة، وينوب عن القرد في إذلاله لنفسه، وزاد عليه في إهانته لكرامته الإنسانية ولكل من حوله!.

بالطبع، ليس مسبوقا في التاريخ أن يكسب الإنسان المال خلال الإهانة المتعمدة لنفسه ولغيره بشكل مستمر، وليس من الطبيعي أن يغري هذا (مجتمعا سويا) لمشاهدته واستهلاك ما ينتجه!

وبما أن لكل مجتمع ما يناسب عقله، ويلائم طبيعته النفسية، وإن اختيار كل مجتمع هو تعبير يقظ لمستوى وعيه، أظن من الطبيعي أن نجد في مجتمعاتنا العربية المعاصرة (رجال برسم الإيجار للسخرية منهم)، أو ما هو أذل منه، وأكثر هوانا وخزيا في الابتذال، حتى إن صناعة فضيحة أخلاقية تحرق أسرة وتسقط ضحيتها من أعين الناس، تصبح تصرفا لا يجد صانعها سببا لانتقاده عليها، طالما حققت غايتها من زيادة المشاهدات.

يظل المال رأس كل خطيئة، والبطالة شيطان يحلل الكبائر العظمى، وقد رضيت المجتمعات العربية عن جعل إذلال النفس وإهانة الغير سببا مقبولا للحصول على المال، وهذه رذيلة من أخس رذائل المجتمعات وأعظمها في التوحيد وانعدام العفة.