سالم الكتبي

هل اقترب حكم بوتين من النهاية؟

الأربعاء - 05 يوليو 2023

Wed - 05 Jul 2023

منذ بدأت الأحداث التي ارتبطت بمجموعة «فاجنر» الروسية، آثرت ألا أندفع في الكتابة والتحليل حول ما يدور ومساراته ومآلاته، ليقين بداخلي بأن «المستور» في هذه الأحداث يفوق بمراحل «المعلن» منها، وأن ما نشاهده ونقرؤه من تصريحات ومواقف قد لا يكون سوى ما يراد للجميع أن يعرفوه، ولكن بعد الهدوء النسبي للغبار والضجيج الإعلامي، يمكن استخلاص بعض النقاط مما جرى، أولها: أنني لست مع من قفزوا إلى استنتاجات بشأن نهاية وشيكة لحكم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأن الرجل قد خرج من هذه الأزمة ضعيفا مهيض الجناح، فلا أحد خارج الدائرة المقربة في الكرملين يكاد يعرف حقيقة ما حدث بشكل تام، وبالتالي تراوح الأحكام بين «انقلاب فاشل» وآخر «مدبر»، وفريق ثالث يرى مؤامرة غربية، أو حتى اتفاقا روسيا - غربيا سريا لاستخدام التمرد كغطاء لإنهاء حرب أوكرانيا، ولست مع التحليلات التي سارعت إلى اعتبار روسيا وكأنها دولة من الدول التي انهارت أنظمتها الحاكمة في مواجهة تغول مجموعات متمردة، حتى أن البعض قد اعتبر أن بوتين بات يخشى مصيرا شبيها بمصير القذافي مثلا!

بلا شك إنني لا أروج لفكرة قوة نظام الرئيس بوتين، ولكنني بالمقابل لا أستطيع تبني فكرة تهاوي نظامه في مواجهة ميليشيات قوامها نحو 25 ألف فرد، رغم كل ما قيل عن المسافات التي قطعتها هذه القوة - من دون مقاومة أو حتى مناكفة - باتجاه موسكو وغير ذلك، فهناك علامات استفهام عديدة لا تزال تنتظر أجوبة، وهناك التباسات وغموض ومناطق رمادية أكاد أجزم أنها ستبقى كذلك من دون أي تفسير، ولكن المؤكد وسط هذا كله أن روسيا ليست جمهورية موز، وليست دولة هشة أمنيا على الأقل، وأن ما جرى وراء الكواليس في هذا الحدث تحديدا يصعب إعلانه بشكل مفصل، سواء بدافع الحفاظ على هيبة الدولة الروسية، أو بدافع «وأد» أنباء أي اختراقات أو «خيانات» قد تكون حدثت بالفعل من داخل الأجهزة الأمنية، وفي الحالتين يبدو الإخفاء والتستر أمرا بديهيا، ولا ننس هنا أن الرئيس بوتين نفسه وصف في خطابه المتلفز بعد إنهاء التمرد ما حدث بـ «مغامرة إجرامية» و»جريمة خطيرة» و»خيانة» و»إرهاب وابتزاز»، ولكن علينا بالمقابل أن ننظر إلى خروج من قيل إنه دبر كل هذه «الجرائم» سالما إلى بيلاروسيا، ناهيك عن إسقاط أي اتهامات بحق قائد مجموعة «فاجنر» ورفاقه وجنوده، ما يفتح الباب أمام تساؤلات أخرى عديدة لن تجد لها أجوبة على الأقل خلال المدى المنظور: هل ثمة صفقة أنهت التمرد؟

هل لهذه الصفقة المفترضة علاقة بتغيير محتمل في هرم السلطة بروسيا؟ وهل لذلك علاقة بقرب انتهاء فترة حكم الرئيس بوتين (الانتخابات الرئاسية الروسية المقبلة تجرى في مارس 2024)؟ أي هل هناك اتفاق ما على خروج مشرف للرئيس من أوسع بوابات الكرملين وتفادي الزج بالبلاد في صراع داخلي في ظل ظروف حرب أوكرانيا؟

الحقيقة أنني لا أستطيع - كمراقب - القول بأن الرئيس بوتين قد خرج من هذه الأزمة ضعيفا كما قال بذلك الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، ولا أشعر بأن نهاية حكم الرئيس بوتين قد أوشكت، والسبب ليس ثقة مني في قوة نظامه، فالحقيقة أن الشواهد الظاهرة لا تعكس هذه القوة بشكل واضح، ولكن عدم القدرة على تبني سيناريو محدد يعود بالدرجة الأولى إلى حالة التعتيم على المعلومات والتفاصيل التي يمكن أن تقود إلى بناء تقدير استراتيجي يعتمد على الحقائق ويقترب من المنطق، بعيدا عن التحليلات والتخمينات التي تنتمي في أكثريتها إلى مربع التحليل بالتمني.

المعضلة الواضحة للجميع أن الرئيس بوتين قد بات «ضعيفا» في نظر النخبة وحتى المواطنين الروس العاديين والعالم الخارجي ما لم يقدم الكرملين مبررات منطقية مقنعة لما حدث وبما يدحض فكرة الضعف التي سادت المشهد الروسي عندما تحدث بوتين عن «تهديد مميت لدولتنا»، ويثبت أن المسألة لا علاقة لها بقدرة الرئيس بوتين على السيطرة، أو تثبت قدرته على إنهاء التمرد من دون تنازلات تذكر، وهذا كله يتوقف بدرجة ما على مصير قائد التمرد بريجوجين وماهية خططه للبقاء في بيلا روسيا.

والحقيقة الأكثر وضوحا برأيي أن الحديث عن ولاية جديدة للرئيس بوتين لم يعد مضمونا كما كان قبل عام أو أكثر قليلا، والسبب في ذلك ليس تمرد «فاجنر» بل في الانقسام الصامت الذي حدث داخل النخبة الروسية بسبب حرب أوكرانيا، سواء على مستوى القرار الأساسي بتنفيذ العملية العسكرية، أو بالاستمرار فيها، فضلا عن جوانب الضعف والخسائر البشرية والمادية التي تعرض لها الجيش الروسي، والتي تسببت من دون شك في خسائر باهظة للاقتصاد الروسي، رغم قدرته النسبية على التماسك والصمود في مواجهة العقوبات الغربية الصارمة، وكذلك على مستوى زعزعة الثقة في روسيا كقوة عالمية كفؤة عسكريا واستراتيجيا.

drsalemalketbi@