بسمة السيوفي

في شأن التقاعد..

الاثنين - 03 يوليو 2023

Mon - 03 Jul 2023

هذه الأيام لدي الكثير من الملفات المفتوحة على طاولتي أود مناقشتها مع القراء الأعزاء.. ولنبدأ بملف حيوي ومهم، نظام التقاعد المدني ونظام التأمينات الاجتماعية السعودي، وهما الجهتان اللتان تعملان على تحقيق التغطية التأمينية وتوفير المعاشات التقاعدية للعاملين في القطاعين الحكومي والخاص منذ أول نظام صدر عام 1364هـ حتى صدور قرار مجلس الوزراء في 15 يونيو 2022م / 5 ذي القعدة 1443هـ بدمجهما معا.

وتمثل أوضاع هاتين الجهتين تحديا كبيرا أمام نمو الاقتصاد حاضرا ومستقبلا خاصة مع تزايد عدد المتقاعدين وارتفاع مجال التغطية التأمينية، واعتماد شريحة كبيرة على هذا المورد كمظلة للحماية تساند التخطيط للمستقبل. وقد تم إجراء تعديلات على بعض مواد النظامين مثل: تطوير البنود وتوسيع مجال التغطية التأمينية مع إقرار تعويض الدفعة الواحدة، وتطبيق نظام تبادل المنافع لتحقيق المساواة بين منسوبي الجهات الصادر بشأنها قرارات مجلس الوزراء، بالإضافة إلى تعزيز الحماية التأمينية ودعم عملية اتخاذ القرار. وقد وحد النظام السعودي سن التقاعد على الجميع ليصبح ستين عاما للجنسين، وذلك بعدما كانت المرأة العاملة تتمتع بالحصول على المعاش بمجرد بلوغها الخامسة والخمسين. وبالتالي زادت نسبة تشغيل المرأة بعد أن كانت تستبعد، وعزز دورها في تسريع عجلة التنمية.

بداية هناك بعض القضايا التي تحتاج إلى توضيح من الأجهزة الرقابية على مؤسسات المعاشات التقاعدية، وأطرح هنا مسألة مثل: حرمان الورثة من الحصول على تقاعد المتوفي وقد استقطع من راتبه طيلة مدة خدمته، وللتوضيح على سبيل المثال... لو كان الزوجان مشتركين في النظام وبلغا سن التقاعد، أو تقاعد أحدهما مبكرا، ولديهم أولاد على رأس العمل، وبنات متزوجات ولديهم وظائف، فما يحدث هو أن الأبناء لن يتقاضوا هللة واحدة بالرغم من أنه تم اقتطاع نسبة الاشتراك من رواتب الوالدين شهريا. وستحرم الزوجة؛ لأنها كانت موظفة وتتقاضى راتبا تقاعديا هي الأخرى. السؤال: كيف لعمل الزوجة أن يحرمها من راتب زوجها الذي كان يعولها؟ ولماذا لا يحصل الورثة على راتبي التقاعد من والديهم معا؟ أولم يقتطع المال من راتبي الزوجة والزوج في حياتهما؟ وهل اكتفاء الزوج ماديا يكون مسوغا لحرمانه من حقه في راتب الزوجة بعد وفاتها؟

المعلوم أن النظام لا يقر صرف راتبين لمستفيد واحد؛ لذا فإن الأسرة التي مات فيها الأب والأم مثلا وكانا موظفين فإن النظام يصرف للورثة المستفيدين المعاش الأكبر فيهما؟ فكيف يكون ذلك منصفا؟ لماذا لا يتم على الأقل رد المبلغ الذي تم خصمه بالتمام والكمال طيلة مدة خدمة المتقاعد لورثته؟ أريد أجوبة من المختصين ليس عبر ترديد نص النظام.. إنما بما يتم تفسيره به.. وما يطبق من ممارسات فعلية على المستفيدين من صناديق التقاعد.

أما فيما يتعلق بضعف الخدمات المساندة للمتقاعد، ومحدودية ما يقدم له، دعونا نتساءل عن جهود مؤسسات التقاعد لتوفير منافع إضافية تحسن أوضاع المتقاعدين كخدمات الرعاية والتأمين الطبي، لماذا لم تترجم إلى الآن سياسات إصلاح أوضاع المتقاعدين بحيث توفر لهم أولوية الخدمة على مستوى الوطن تشمل أشياء مثل تخفيضات على أسعار الخدمات الأساسية، أو تخفيض نسبة القيمة المضافة لمن تجاوزوا 65 من أعمارهم، أيضا تخفيض التذاكر في جميع وسائل المواصلات، أنشطة الترفيه والمرافق الخدمية، أولوية اصطفاف السيارات.. وغيرها. نعلم أن هناك جمعيات للمتقاعدين تسعى للمساهمة في تحقيق متطلباتهم، لكننا ما زلنا متأخرين كثيرا في تطوير الخدمات المقدمة لفئة المتقاعدين التي تفتح مجالات رحبة لحياة كريمة ومستقبل مشرق.

نحن نواجه ارتفاعا سنويا في أعداد المتقاعدين المدنيين والعسكريين، إذ يفوق عددهم 990 ألفا؛ وفق مؤشرات إحصائية لعام 2022م. فقد بلغ متوسط سن التقاعد 50 عاما للرجال و52 للنساء. وتتمثل أكبر نسبة لعدد المتقاعدين في مدينة الرياض 26.4% بينما تبلغ في منطقة مكة المكرمة 24%، ويبلغ متوسط مدة الخدمة 25.3 سنة للنساء مقابل 24.8 سنة للرجال. وقد شكلت الفئة العمرية 50-54 سنة أكبر نسبة من إجمالي المتقاعدين من جميع الفئات العمرية، وبلغت الزيادة السنوية نحو 833 ألف متقاعد بمعدل 4٪ مقارنة بالعام السابق.

عليه في ظل هذا التزايد، وفي ظل احتمالية زيادة العجز الاكتواري في صناديق التقاعد السعودية، ومحدودية عوائد الاستثمارات، تظهر لنا أهمية تعزيز الإصلاحات والنظر لأبعادها على مستوى الأفراد والأسر اقتصاديا واجتماعيا، والتدرج في تطبيقها مع دراسة جدوى التطبيق والتعديل. وقد يكون دمج المؤسستين خطوة ناجحة نحو توحيد الجهود وتعظيم استدامة عوائد الاستثمارات التقاعدية.

لا بد أيضا من حوكمة هذه الصناديق ومراجعة استراتيجياتها في ظل التغييرات الديموغرافية في المملكة، وعدم التراخي في وضع حلول للإشكالات الناجمة عن ثغرات في اللوائح أو سوء تفسير لنص النظام أو عدم كفاءة السياسات التي تدعم الاستثمار والعائد عليه. ومن الضروري لأي نظام تقاعد أن يتسم بالعدالة، العدالة بين فئات الدخل المختلفة، والعدالة بين الأجيال، حيث ينبغي ألا يستأثر بالمنافع جيل بعينه لمجرد أنه سبق عمن سيلحق به، فقد تتأثر الأجيال القادمة بخفض المعاشات، أو رفع الاشتراكات، أو رفع سن التقاعد، فالتقاعد المبكر له تكلفة عالية على الصناديق الاستثمارية.

خلاصة القول: إن نظام الحماية التكافلي في الأنظمة التقاعدية يتطلب التركيز على الاستدامة المالية، فلا يعقل أن تكون نسبة الصرف على المتقاعدين أكبر من نسبة الاستقطاع من المشتركين، وهو ما يعني ضرورة وأهمية تعزيز الاستثمارات المستقبلية بما يضمن استدامة القدرة على ضخ 62 مليار ريال سنويا كرواتب تقاعدية، وهو مبلغ مؤكد الزيادة مع ارتفاع أعداد المتقاعدين. تعيل الدول معظم العاطلين وكبار السن وفي نفس الوقت تسعى لخفض الإنفاق وتقليل الإعانات وتسريح من هرم من موظفي القطاع العام، لكن الأمر ككرة الثلج تتدحرج لتكبر ولابد من تدارك الأمر.

الاقتراح أن يتم إطلاق حملة وطنية على كافة الأصعدة تدعم تحسين الخدمات المقدمة لفئة المتقاعدين وتطبق ممارسات الدعم والمساندة بما يحقق الأمن الاجتماعي ويضمن جودة الحياة والشعور بالتفاؤل، والتمتع بالصحة الجسمية والنفسية الإيجابية والرضا عن الحياة بجوانبها المختلفة.

المتقاعد إنسان متعب.. أنهى معركته الأخيرة.. مجده في ماضيه وخوفه من حاضره.. يتأرجح بين الوحدة والتقدير.. فلا تتعبوه زيادة.

@smileofswords