عبدالله مشرف المالكي

فوضى الميليشيات المسلحة

الاثنين - 03 يوليو 2023

Mon - 03 Jul 2023

مع نهاية الحرب الباردة شهدت البنية الأمنية العالمية تحولا صامتا ولكنه عميق ومؤثر، فلم تعد التهديدات التقليدية مثل الاحتلال العسكري أو دخول الجيوش النظامية إلى حدود دولة ما هو الخطر الأول على قائمة المخاطر الأمنية، وإنما ظهر تهديد جديد يتمثل في وجود ميليشيات مسلحة غير نظامية قادرة على إحداث الفوضى من مواطني الدولة أو من الأجانب.

وبدخول هذا العنصر القوي إلى ميدان الصراعات السياسية والاقتصادية والأيديولوجية، لا تخش الشعوب الآن من نشوب حرب عالمية ثالثة، وإنما تخشى في الحقيقة من الفوضى وتقويض الأمن والاستقرار من قبل هذه المجموعات المسلحة غير النظامية.

خطورة وجود ميليشيات مسلحة غير نظامية في بلد ما، أنها تشكل معادلا للجيش الوطني الذي يدين بالولاء للأرض والدولة والشعب، في حين أن هذه المجموعات قد تتعدد ولاءاتها ما بين الأيديولوجي والديني والعرقي. كما أن بعض هذه الميليشيات قد تتحول إلى شركات مأجورة، تعمل لمن يدفع أكثر ومن ثم يكون ولاؤها للمال وليس لأي عامل قيمي.

عندما يسمح بتشكيل مثل هذه المجموعات المسلحة غير النظامية، فإنها تسعى إلى تغيير قواعد الحرب لتناسب إمكانياتها وتدريباتها، ولتجاوز نقاط الضعف التي تميز عنها الجيوش النظامية.

فنجد مثلا أن هذه الميليشيات تلجأ إلى أدوات إرهاب للشعوب غير حربية مثل التفجيرات وقطع الرؤوس والاغتصاب والسرقة والنهب والاختطاف، وغير ذلك مما يرهق الحكومات ويدفعها إلى المساومة والتفاوض، فأحد الأهداف الرئيسة لمثل هذه العصابات المسلحة إضعاف السلطات المحلية، وإيجاد فرص للابتزاز وتحقيق المصالح الشخصية.

لقد شاهدنا كيف نجحت قوات فاجنر في حبس أنفاس العالم في ساعات قليلة بعد تهديد قائدها بدفع قواته إلى العاصمة موسكو، وكيف ذهب محللون عسكريون مطلعون على حجم تسليح هذه القوات إلى الزعم بقدرتها على إحداث تغييرات جذرية في بنية النظام الروسي.

وعلى المستوى الإقليمي نلحظ أيضا كيف تعطل الميليشيات المسلحة مبادرات الوفاق السياسي في عدد من الدول، وكيف يقود الصراع بين الجيوش النظامية والقوات غير النظامية إلى الاقتتال الداخلي والحروب الأهلية.

إن سلامة وحدة الأوطان، وضمان أمن الشعوب يتطلب الحفاظ على الجيوش الوطنية ودعمها وتقويتها، وعدم منافستها بقوات غير منتظمة قد تكون خنجرا في خاصرة الأمة في أي وقت.