دول الخليج في قلب التطور التكنولوجي.. الطريق السريع سالك وآمن
الاثنين - 26 يونيو 2023
Mon - 26 Jun 2023
منذ عقود من الزمن، كلما تذكر دول الخليج، أول ما يتبادر إلى ذهن الناس هو النفط، كونه فعلا الثروة التي أسهمت في نهضة هذه الدول. لكن اللافت للانتباه أن كثيرين لم يتنبهوا حتى الآن، إلى حجم الاستثمار الذي قامت به دول الخليج، في السنوات الأخيرة، في تطوير البنى التحتية وتهيئة الأرضية لمواكبة التطور العالمي والتحول من الاعتماد على النفط، إلى تنويع الاقتصاد بشكل كبير.
خلال مشاركتي في مؤتمر رؤية الخليج VisionGolfe2023 الذي عقد في وزارة الاقتصاد الفرنسية في العاصمة باريس، وشاركت فيه أكثر من 700 شركة من الخليج وفرنسا، يظهر جليا أن دور دول الخليج تحول إلى حاجة ملحة على المستوى العالمي ولكن من منظور جديد، أبعد من كونها المصدر الأساسي للنفط مع ما يعنيه ذلك من إمكانيات مالية ضخمة. اليوم، تتحول هذه الدول من متلق للمعرفة، إلى مركز لتطوير التجارب والابتكارات العالمية.
في الوقت ذاته، يتخبط العالم في أزمات عدة متشابكة؛ بدءا من الاحتباس الحراري وتداعياته الخطرة وتداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا، والصراع المحتد بين الأحادية الأمريكية وتعددية الأقطاب، أضف إليها التضخم المالي الذي سجل معدلا مرتفعا بلغ 8.7% عالميا في عام 2022 وفقا لصندوق النقد الدولي. كل هذه العوامل تضع العالم في أزمات متشابكة وخطرة، فيما الدول العربية وتحديدا دول مجلس التعاون الخليجي تبدو الأقل تأثرا، فهي سجلت معدل تضخم بنسبة 3.6% في 2022، وهي الأكثر قدرة على تقديم بدائل بسبب قدراتها المالية وسرعة أخذ القرارات الكبرى.
المؤتمر هو الأول من نوعه وانعقاده يومي 13 و14 من يونيو، يعكس حاجة الشركات الأوروبية إلى أسواق جديدة وإلى الفرص الكبيرة المتاحة في دول الخليج التي تستقطب المبتكرين من شتى دول العالم، لابتعادها عن الأزمات العالمية وعدم انخراطها في الحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما يعكس رؤية بعيدة المدى، في كيفية التركيز على التطوير الداخلي والتنمية على حساب الانشغال بالاصطفافات العالمية الكبرى، وكذلك يشي بإدراك فعلي لدى هذه الدول بحساسية هذه المرحلة وأهمية العودة إلى الداخل وتطويره.
يظهر جليا في المؤتمر ومن خلال بعض ما سمعته وبعض النقاشات التي خضتها، أن توفر الأموال وسرعة اتخاذ القرارات على أعلى المستويات وتنفيذ المخططات الطموحة والتحديات المختلفة، هي ما يحتاج إليه مختلف المطورين ولا سيما الشركات العملاقة، بالتالي، فإن الخطط طويلة الأمد التي وضعتها مختلف دول الخليج وأكبرها رؤية 2030 للمملكة العربية السعودية، جعلتها وجهة أساسية للشركات من مختلف بقاع العالم، ليس للتصدير كما جرت العادة، بل لتطوير حلول بيئية وحلول في شتى الميادين.
وهنا، لا بد من ذكر بعض المشاريع التي ساعدت دول الخليج في سعيها للمبادرة بدل التلقي، فعلى سبيل المثال، وفي وقت يكثر فيه الحديث اليوم عن الطاقة المتجددة والسعي إلى الحد من التغير المناخي المتأثر بالتطور الصناعي العالمي، كانت إمارة أبو ظبي سباقة في إنشاء مدينة "مصدر" سنة 2008، أي قبل 15 عاما، والتي تتكل على الطاقة المتجددة بشكل كلي مع استثمارات تفوق 30 مليار دولار أمريكي في مشاريع الطاقة المتجددة وحلول بيئية مختلفة في أكثر من 40 دولة حول العالم. فقد ولدت 18 ألف جيجاوات في الساعة من الطاقة النظيفة وحولت 10 ملايين طن من ثاني أكسيد الكربون، ما جعلها نموذجا عالميا يتم التعلم منه.
كذلك، في قطر، وبالرغم من صغر حجم سكانها، إلا أنها اليوم باتت مركزا لـ 6 من أفضل الجامعات في العالم في مختلف الميادين ومنها الهندسية والصناعية من بينها HEC Paris, Georgetown University, و Cornell University.
أما نجاح إمارة دبي في التحول إلى وجهة سياحية عالمية فلم يكن بالأمر البسيط، بل مثالا عالميا، وخاصة أن الإمارة تقع في منطقة جغرافية غير سهلة، ووفقا لدائرة الاقتصاد والسياحة في دبي، استقبلت دبي 14.36 مليون زائر سنة 2022 وأكثر من 6 ملايين زائر بين يناير وأبريل 2023.
كل هذا، عدا عن تطور صناعة النقل واللوجستيات بما أمن كفاءة عالية في النقل في مختلف هيئات الموانئ، من موانئ دبي، قطر، السعودية، وأجيلتي الكويتية التي بلغ مجموع ربح الشركات التابعة لها 2.8 مليار دولار في 2022.
أكثر من ذلك، في هذه الدول 3 شركات طيران هي من الأكبر عالميا، كالقطرية والاتحاد والإمارات، مع أسطول كبير من الطائرات، جعلها تتحول إلى مركز للطيران العالمي، ونقل يصل إلى جميع أنحاء العالم. وهذا ليس كل شيء، إذ تعمل هذه البلدان على تطوير النقل الذكي، إذ قطعت دبي شوطا كبيرا في هذا المجال وصارت قاب قوسين من بدء الاعتماد على الطائرات من دون طيار للنقل والتوصيل، وشاهدنا منذ أيام التجربة السعودية الأولى في إنتاج طائرة من دون طيار لهذا الغرض أيضا.
وإن كانت أرامكو السعودية، تعرف بكونها شركة النفط العامة، إلا أنها تعتبر سباقة في استخدام الذكاء الاصطناعي بما خفض من مخاطر استخراج النفط عبر توقع أعطال المنشآت، تخفيف كلفة النقل وغيرها من الحلول ما جعلها مثالا عالميا لكيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في منشآت صناعية ضخمة.
كذلك، لا يقتصر العمل في نيوم، مشروع المدينة العابرة للحدود، على استخدام أحدث الابتكارات، بل يقوم بتطوير عدة حلول لجعلها مدينة نموذجية للتحديات العالمية المستحدثة ويتكون من 4 مناطق: ذا لاين "الخط" وجهة مستدامة للمعيشة الحضرية تعمل بالطاقة المتجددة، Sindalah وTrojena وجهات ترفيهية، و Oxagon، ميناء حديث يعتمد نهجا من الصناعة 4.0 والاقتصاد الدائري. كما تستثمر نيوم بشكل مباشر أو غير مباشر في العديد من الشركات الناشئة حول العالم وتجرب منتجاتها.
وقبل يوم من انعقاد المؤتمر في باريس، وقعت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية "كاكست"، وشركة الصين للطاقة الكهربائية والمعدات والتقنية، وشركة بكين لتقنية الالكترونيات الدقيقة، مذكرة تفاهم لإنشاء مركز لتصميم وتصنيع الرقائق الالكترونية، للنهوض بالعلوم والتقنية من خلال توظيف البحث والتطوير لمواجهة التحديات الوطنية والإقليمية والعالمية، والتعاون في تصميم وتصنيع الرقائق الالكترونية وتطبيقها في مجالات رقمنة الطاقة، والشبكة الذكية، والمدن الذكية.
في المحصلة، من حضر في باريس لم يكن ينتظر أي جديد له علاقة بالنفط. شركات عالمية كبرى أتت لكي تستكشف سبل الاستثمار في دول الخليج، وكيف تحجز لنفسها مكانا في هذا الطريق السريع الذي تشقه هذه الدول بسرعة قياسية، وبأفكار حديثة، تجاري فيها أكثر البلدان تقدما.
العالم في أزمة ودول الخليج العربي الأكثر قدرة على تأمين الاحتياجات؛ من تمويل إلى بيئة عمل مواتية واستقرار، والأهم نية واضحة للاستثمار في طرح حلول للتحديات العالمية، وذلك من خلال خططها طويلة الأمد التي ستحولها من متلق إلى رافد عالمي في السنوات العشر القادمة.
رواد الأعمال يتجهون شرقا نحو دول الخليج وعلى باقي الدول العربية الاستفادة من هذه الفرصة.
خلال مشاركتي في مؤتمر رؤية الخليج VisionGolfe2023 الذي عقد في وزارة الاقتصاد الفرنسية في العاصمة باريس، وشاركت فيه أكثر من 700 شركة من الخليج وفرنسا، يظهر جليا أن دور دول الخليج تحول إلى حاجة ملحة على المستوى العالمي ولكن من منظور جديد، أبعد من كونها المصدر الأساسي للنفط مع ما يعنيه ذلك من إمكانيات مالية ضخمة. اليوم، تتحول هذه الدول من متلق للمعرفة، إلى مركز لتطوير التجارب والابتكارات العالمية.
في الوقت ذاته، يتخبط العالم في أزمات عدة متشابكة؛ بدءا من الاحتباس الحراري وتداعياته الخطرة وتداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا، والصراع المحتد بين الأحادية الأمريكية وتعددية الأقطاب، أضف إليها التضخم المالي الذي سجل معدلا مرتفعا بلغ 8.7% عالميا في عام 2022 وفقا لصندوق النقد الدولي. كل هذه العوامل تضع العالم في أزمات متشابكة وخطرة، فيما الدول العربية وتحديدا دول مجلس التعاون الخليجي تبدو الأقل تأثرا، فهي سجلت معدل تضخم بنسبة 3.6% في 2022، وهي الأكثر قدرة على تقديم بدائل بسبب قدراتها المالية وسرعة أخذ القرارات الكبرى.
المؤتمر هو الأول من نوعه وانعقاده يومي 13 و14 من يونيو، يعكس حاجة الشركات الأوروبية إلى أسواق جديدة وإلى الفرص الكبيرة المتاحة في دول الخليج التي تستقطب المبتكرين من شتى دول العالم، لابتعادها عن الأزمات العالمية وعدم انخراطها في الحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما يعكس رؤية بعيدة المدى، في كيفية التركيز على التطوير الداخلي والتنمية على حساب الانشغال بالاصطفافات العالمية الكبرى، وكذلك يشي بإدراك فعلي لدى هذه الدول بحساسية هذه المرحلة وأهمية العودة إلى الداخل وتطويره.
يظهر جليا في المؤتمر ومن خلال بعض ما سمعته وبعض النقاشات التي خضتها، أن توفر الأموال وسرعة اتخاذ القرارات على أعلى المستويات وتنفيذ المخططات الطموحة والتحديات المختلفة، هي ما يحتاج إليه مختلف المطورين ولا سيما الشركات العملاقة، بالتالي، فإن الخطط طويلة الأمد التي وضعتها مختلف دول الخليج وأكبرها رؤية 2030 للمملكة العربية السعودية، جعلتها وجهة أساسية للشركات من مختلف بقاع العالم، ليس للتصدير كما جرت العادة، بل لتطوير حلول بيئية وحلول في شتى الميادين.
وهنا، لا بد من ذكر بعض المشاريع التي ساعدت دول الخليج في سعيها للمبادرة بدل التلقي، فعلى سبيل المثال، وفي وقت يكثر فيه الحديث اليوم عن الطاقة المتجددة والسعي إلى الحد من التغير المناخي المتأثر بالتطور الصناعي العالمي، كانت إمارة أبو ظبي سباقة في إنشاء مدينة "مصدر" سنة 2008، أي قبل 15 عاما، والتي تتكل على الطاقة المتجددة بشكل كلي مع استثمارات تفوق 30 مليار دولار أمريكي في مشاريع الطاقة المتجددة وحلول بيئية مختلفة في أكثر من 40 دولة حول العالم. فقد ولدت 18 ألف جيجاوات في الساعة من الطاقة النظيفة وحولت 10 ملايين طن من ثاني أكسيد الكربون، ما جعلها نموذجا عالميا يتم التعلم منه.
كذلك، في قطر، وبالرغم من صغر حجم سكانها، إلا أنها اليوم باتت مركزا لـ 6 من أفضل الجامعات في العالم في مختلف الميادين ومنها الهندسية والصناعية من بينها HEC Paris, Georgetown University, و Cornell University.
أما نجاح إمارة دبي في التحول إلى وجهة سياحية عالمية فلم يكن بالأمر البسيط، بل مثالا عالميا، وخاصة أن الإمارة تقع في منطقة جغرافية غير سهلة، ووفقا لدائرة الاقتصاد والسياحة في دبي، استقبلت دبي 14.36 مليون زائر سنة 2022 وأكثر من 6 ملايين زائر بين يناير وأبريل 2023.
كل هذا، عدا عن تطور صناعة النقل واللوجستيات بما أمن كفاءة عالية في النقل في مختلف هيئات الموانئ، من موانئ دبي، قطر، السعودية، وأجيلتي الكويتية التي بلغ مجموع ربح الشركات التابعة لها 2.8 مليار دولار في 2022.
أكثر من ذلك، في هذه الدول 3 شركات طيران هي من الأكبر عالميا، كالقطرية والاتحاد والإمارات، مع أسطول كبير من الطائرات، جعلها تتحول إلى مركز للطيران العالمي، ونقل يصل إلى جميع أنحاء العالم. وهذا ليس كل شيء، إذ تعمل هذه البلدان على تطوير النقل الذكي، إذ قطعت دبي شوطا كبيرا في هذا المجال وصارت قاب قوسين من بدء الاعتماد على الطائرات من دون طيار للنقل والتوصيل، وشاهدنا منذ أيام التجربة السعودية الأولى في إنتاج طائرة من دون طيار لهذا الغرض أيضا.
وإن كانت أرامكو السعودية، تعرف بكونها شركة النفط العامة، إلا أنها تعتبر سباقة في استخدام الذكاء الاصطناعي بما خفض من مخاطر استخراج النفط عبر توقع أعطال المنشآت، تخفيف كلفة النقل وغيرها من الحلول ما جعلها مثالا عالميا لكيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في منشآت صناعية ضخمة.
كذلك، لا يقتصر العمل في نيوم، مشروع المدينة العابرة للحدود، على استخدام أحدث الابتكارات، بل يقوم بتطوير عدة حلول لجعلها مدينة نموذجية للتحديات العالمية المستحدثة ويتكون من 4 مناطق: ذا لاين "الخط" وجهة مستدامة للمعيشة الحضرية تعمل بالطاقة المتجددة، Sindalah وTrojena وجهات ترفيهية، و Oxagon، ميناء حديث يعتمد نهجا من الصناعة 4.0 والاقتصاد الدائري. كما تستثمر نيوم بشكل مباشر أو غير مباشر في العديد من الشركات الناشئة حول العالم وتجرب منتجاتها.
وقبل يوم من انعقاد المؤتمر في باريس، وقعت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية "كاكست"، وشركة الصين للطاقة الكهربائية والمعدات والتقنية، وشركة بكين لتقنية الالكترونيات الدقيقة، مذكرة تفاهم لإنشاء مركز لتصميم وتصنيع الرقائق الالكترونية، للنهوض بالعلوم والتقنية من خلال توظيف البحث والتطوير لمواجهة التحديات الوطنية والإقليمية والعالمية، والتعاون في تصميم وتصنيع الرقائق الالكترونية وتطبيقها في مجالات رقمنة الطاقة، والشبكة الذكية، والمدن الذكية.
في المحصلة، من حضر في باريس لم يكن ينتظر أي جديد له علاقة بالنفط. شركات عالمية كبرى أتت لكي تستكشف سبل الاستثمار في دول الخليج، وكيف تحجز لنفسها مكانا في هذا الطريق السريع الذي تشقه هذه الدول بسرعة قياسية، وبأفكار حديثة، تجاري فيها أكثر البلدان تقدما.
العالم في أزمة ودول الخليج العربي الأكثر قدرة على تأمين الاحتياجات؛ من تمويل إلى بيئة عمل مواتية واستقرار، والأهم نية واضحة للاستثمار في طرح حلول للتحديات العالمية، وذلك من خلال خططها طويلة الأمد التي ستحولها من متلق إلى رافد عالمي في السنوات العشر القادمة.
رواد الأعمال يتجهون شرقا نحو دول الخليج وعلى باقي الدول العربية الاستفادة من هذه الفرصة.