تقنين الأحكام الشرعية في مواجهة زحف القوانين الوضعية
الأحد - 25 يونيو 2023
Sun - 25 Jun 2023
إن فكرة تقنين أحكام الفقه الإسلامي ليست وليدة العصر الحالي بل تمتد إلى عهود، حيث ترجع إلى العهد العباسي، ثم توالت المحاولات عبر التاريخ الإسلامي، وكانت أول محاولة رسمية جادة في هذا المجال صدور مجلة الأحكام العدلية التي كانت بجهود ثلة من الفقهاء خلال العهد العثماني، ورغم المآخذ التي أخذت عليها إلا أنه يمكن عدها فتحا جديدا في تاريخ الفقه؛ لأنها سدت فراغا لطالما أرق القائمين على القضاء خاصة في باب المعاملات الشرعية التي كانت مبعثرة في بطون الكتب الفقهية.
وإن الفقهاء المتأخرين أجازوا تولي القاضي المقلد القضاء بشرط اعتماد الراجح من مذهب إمامه فقد حكى ابن رشد في المقدمات عن المذهب المالكي أن شرط العلم من الصفات المستحسنة كما أن جمهور الفقهاء قبلوا قضاء المقلد رغم أنهم فضلوا كونه مجتهدا.
بعد هذه المقدمة نعرف بأن تقنين أحكام الشريعة المقصود منها هو ترتيب وتبويب أحكامه بشكل مماثل للتقنيات الحديثة على شكل مواد مرقمة ومتسلسلة وتوحيد الأحكام الفقهية المتعلقة بالمعاملات حتى يسهل على القضاة والمحامين وأهل الاختصاص معرفتها والرجوع إليها دون عناء.
وإن العلماء اختلفوا حول مسألة تقنين الأحكام الفقهية إلى فريقين مجيزين ومانعين، ولعل حجج الرأي الثاني والذي أميل إليه كرجل قانون أن يشترط في تقنين أحكام الشريعة على الاعتماد بما هو راجح من الآراء الفقهية ولذا - أعتقد - أن تقنين الأحكام الفقهية بات أمرا واقعا في مجتمعاتنا العربية والإسلامية ولا يمكن بأي حال من الأحوال غض الطرف عنه.
من وجهة نظري أرى أن تقنين الفقه يعد أخف الضررين على فرض التسليم بما يعتريه من مثالب بالجمود وعدم الاجتهاد، يقول الدكتور وهبة الزحيلي – رحمه الله – معددا مزايا التقنين «فمن المعروف أن كتبنا الفقهية معروضة بأسلوب يختلف عن أسلوب العصر وهي تغص باختلاف الآراء في القضية الواحدة وهذا يجعل غير المختصين (وهم أكثر الناس) في حرج وحيرة حين يريدون الأخذ بحكم فقهي».
إذن صدور موافقة مجلس الوزراء بالموافقة على نظام المعاملات المدنية إنما جاء لسد حاجة وفراغ لما استجد من أوضاع في الحياة المعاصرة المدنية وتسهيلا للفصل في حقوق الناس ورفع مستوى وعيهم بالأحكام القضائية واحترام هيبة القضاء؛ لأن من الطبيعي سوف توحد أحكامه في المسألة الواحدة بخلاف ما كان سابقا من تباين بين أحكام القضاة ومنع تسرب الفقه الغربي إلى الأحكام القضائية في المملكة العربية السعودية ولو بعد مئات السنين، ونظام المعاملات المدنية هو مجموعة من القواعد النظامية التي تنظم علاقات الأفراد بين بعضهم البعض؛ لذا يطلق عليه فقهاء القانون بأن القانون المدني أبو القوانين، وبناء على ما سبق نذكر محاسن تقنين المعاملات الشرعية على صورة نظام مدني على نحو التالي:
أولا: إن في تقنين الأحكام الشرعية تسهيلا للقاضي والمتقاضي وكل المجتمع لمعرفة القواعد التي يجب عليهم التزامها، وتلك ميزة التشريع عن غيره من مصادر القانون ورغم أن الشريعة الإسلامية مدونة بنصوصها وفقهها إلا أن العودة إلى النصوص ومعرفة الأحكام منها وكذا العودة إلى الفقه بتشعب مذاهبه وكتبه وخلافاته لا يمكن إلا للمختصين.
ثانيا: إن تقنين الأحكام الشرعية يمنع من تضارب الأحكام واختلافها في معالجة المسائل المتماثلة؛ لأن ترك المسألة لاجتهاد القضاة ينتج عنه صدور أحكام قضائية وفق ما يؤدي إليه اجتهاد القاضي في المسألة المعروضة عليه والمتنازع فيها وهذا لا يمنع قاض آخر من أن يحكم بخلافه في مسألة شبيهة أو مطابقة وهذا التناقض يخلف شكوكا في نفوس المتقاضين قد تصل بهم إلى شك في صلاحية الشريعة الإسلامية وهذا سمعته بإذني من بعض عوام الناس!!
ختاما، إن تقنين الشريعة يغلق الباب أمام زحف القوانين والفقه الغربي كما أشرنا إليه سابقا وهذه هي المصلحة التي يجب على ولاة الأمر حمايتها – وإن شاء الله – تحقق بسن نظام المعاملات المدنية حيث إن المتأمل لملامحه يجد فيه الشمول وتطوير البيئة التشريعية في المملكة العربية السعودية.
expert_55@
وإن الفقهاء المتأخرين أجازوا تولي القاضي المقلد القضاء بشرط اعتماد الراجح من مذهب إمامه فقد حكى ابن رشد في المقدمات عن المذهب المالكي أن شرط العلم من الصفات المستحسنة كما أن جمهور الفقهاء قبلوا قضاء المقلد رغم أنهم فضلوا كونه مجتهدا.
بعد هذه المقدمة نعرف بأن تقنين أحكام الشريعة المقصود منها هو ترتيب وتبويب أحكامه بشكل مماثل للتقنيات الحديثة على شكل مواد مرقمة ومتسلسلة وتوحيد الأحكام الفقهية المتعلقة بالمعاملات حتى يسهل على القضاة والمحامين وأهل الاختصاص معرفتها والرجوع إليها دون عناء.
وإن العلماء اختلفوا حول مسألة تقنين الأحكام الفقهية إلى فريقين مجيزين ومانعين، ولعل حجج الرأي الثاني والذي أميل إليه كرجل قانون أن يشترط في تقنين أحكام الشريعة على الاعتماد بما هو راجح من الآراء الفقهية ولذا - أعتقد - أن تقنين الأحكام الفقهية بات أمرا واقعا في مجتمعاتنا العربية والإسلامية ولا يمكن بأي حال من الأحوال غض الطرف عنه.
من وجهة نظري أرى أن تقنين الفقه يعد أخف الضررين على فرض التسليم بما يعتريه من مثالب بالجمود وعدم الاجتهاد، يقول الدكتور وهبة الزحيلي – رحمه الله – معددا مزايا التقنين «فمن المعروف أن كتبنا الفقهية معروضة بأسلوب يختلف عن أسلوب العصر وهي تغص باختلاف الآراء في القضية الواحدة وهذا يجعل غير المختصين (وهم أكثر الناس) في حرج وحيرة حين يريدون الأخذ بحكم فقهي».
إذن صدور موافقة مجلس الوزراء بالموافقة على نظام المعاملات المدنية إنما جاء لسد حاجة وفراغ لما استجد من أوضاع في الحياة المعاصرة المدنية وتسهيلا للفصل في حقوق الناس ورفع مستوى وعيهم بالأحكام القضائية واحترام هيبة القضاء؛ لأن من الطبيعي سوف توحد أحكامه في المسألة الواحدة بخلاف ما كان سابقا من تباين بين أحكام القضاة ومنع تسرب الفقه الغربي إلى الأحكام القضائية في المملكة العربية السعودية ولو بعد مئات السنين، ونظام المعاملات المدنية هو مجموعة من القواعد النظامية التي تنظم علاقات الأفراد بين بعضهم البعض؛ لذا يطلق عليه فقهاء القانون بأن القانون المدني أبو القوانين، وبناء على ما سبق نذكر محاسن تقنين المعاملات الشرعية على صورة نظام مدني على نحو التالي:
أولا: إن في تقنين الأحكام الشرعية تسهيلا للقاضي والمتقاضي وكل المجتمع لمعرفة القواعد التي يجب عليهم التزامها، وتلك ميزة التشريع عن غيره من مصادر القانون ورغم أن الشريعة الإسلامية مدونة بنصوصها وفقهها إلا أن العودة إلى النصوص ومعرفة الأحكام منها وكذا العودة إلى الفقه بتشعب مذاهبه وكتبه وخلافاته لا يمكن إلا للمختصين.
ثانيا: إن تقنين الأحكام الشرعية يمنع من تضارب الأحكام واختلافها في معالجة المسائل المتماثلة؛ لأن ترك المسألة لاجتهاد القضاة ينتج عنه صدور أحكام قضائية وفق ما يؤدي إليه اجتهاد القاضي في المسألة المعروضة عليه والمتنازع فيها وهذا لا يمنع قاض آخر من أن يحكم بخلافه في مسألة شبيهة أو مطابقة وهذا التناقض يخلف شكوكا في نفوس المتقاضين قد تصل بهم إلى شك في صلاحية الشريعة الإسلامية وهذا سمعته بإذني من بعض عوام الناس!!
ختاما، إن تقنين الشريعة يغلق الباب أمام زحف القوانين والفقه الغربي كما أشرنا إليه سابقا وهذه هي المصلحة التي يجب على ولاة الأمر حمايتها – وإن شاء الله – تحقق بسن نظام المعاملات المدنية حيث إن المتأمل لملامحه يجد فيه الشمول وتطوير البيئة التشريعية في المملكة العربية السعودية.
expert_55@