خضر عطاف المعيدي

أبو جهل في عصر المعرفة!

الاحد - 25 يونيو 2023

Sun - 25 Jun 2023

«الجهل ليس في عدم القدرة على القراءة والكتابة، ولكن الجهل حينما لا يوجد عقل يميز المعرفة».

-خضر

لا يزال يعاد الكثير قصص الغابرين من كفار قريش من باب التبكيت والنقد لمدى محاربتهم لبعثة المصطفى - صلى الله وعليه وسلم -، ولا يعلم الكثير بأن السواد الأعظم ممن تصدروا إرشاد الناس ودعوتهم في هذا العصر لو كانوا في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لكانوا في صف أبي جهل وأبي لهب وبلا منافس. من يتصفح البيئة التي خرج منها أبو جهل وغيره، يعلم بأنها بيئة جاهلية من كل الجوانب، فلا نور للعلم يضئ الفكر الموجود، ولا دور عبادة لإرشاد الناس سوى الكعبة، ولم تكن فيها قبل البعثة أي حلقات للعلم وإنما كانت مكانا لتعليق الشعر كباب من أبواب الفخر – وهو عادة عند العرب ومكان لطواف العراة، ومأوى للمستجيرين من الدم. وفي هذه الأثناء يأتي لهم من عاش معهم، وأكل وشرب وتحرك من خلالهم، ليدعي بأنه المبعوث من عند الله.. صدمة ليست بالأمر الذي قد سمعوا به لكي يتقبلوه في أرضهم؛ لذلك رصدوا الصراع وجندوا أنفسهم لذلك، بل ووصفهم له - صلى الله عليه وسلم - كان شنيعا فرموه بأنه ساحر ومجنون وغير ذلك.

والمتأمل لحالنا الآن يجد بأنه ليس أبو جهل هو من يعيش بيننا، بل آباء الجهل بأنواعهم، ففي زمن العلم والإنترنت والمكتبات المتنقلة والكتب الورقية والالكترونية المجانية، والإذاعات المتنوعة وغيرها من سبل العلم، يأتي شخص ما بفكرة ما مثل الدعوة لمذهب جديد أو تحليل الغناء أو إجازة كشف وجه المرأة، أو أو أو...إلخ، فتقوم الدنيا ولا تقعد من الهجوم على مثل من يأتي بمثل هذه الأفكار، فكيف لو كان مثل هؤلاء في زمن أبي جهل وآتاهم رجل قد ادعى بأنه عرج به إلى السماء أو أنه تلقى وحيا من الله وأنه بعث لهم بدين جديد، هل سيؤمنون به مباشرة؟ من البديهي بأنهم سيكونون في الصف الأول إلى جانب أبي جهل وأبي لهب في تكذيبهم للرسول صلى الله عليه وسلم.

إن رفض الإنسان لأفكار بسيطة من أن يتقبلها، أو أن يناقشها بهدوء، أو أن يسكت في الخوض عنها ما دام جاهلا بالفقه وجاهلا بلغة الدليل والاستدلال. وفي هذا دليل واضح عما يحمل بعض الأفراد من نفس معادية لكل ما ليس في بيئته وأنه عدو لدود لما يجهل، وسينطق كما نطق قوم إبراهيم وموسى وشعيب وغيرهم (إنا وجدنا أباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون) وهذه هي لغة كل المقلدين عبر العصور، وكل من لا يعمل عقله وعلمه وفكره وإنما يسير خلف الفكر السائد «فكر القطيع» الذي يقوده ثلة ممن يدعون بأنهم الفرقة الناجية وغيرهم قد هلك.

إذا وجدت في نفسك غلا وعداوة على كل من يأتي بفكر جديد، ومسألة لم تعتد على طرحها وأنت في عصر العلم والتنوير وعصر المكتبات وعصر الإنترنت وعصر التنوع الفكري وعصر السباق في مضمار العلم، ولم تستطع أن تمهل نفسك حيزا من القراءة والاطلاع لمعرفة جذورها، فاعلم بأنك من صنف إبي جهل وإن كنت تحمل أعلى الشهادات، أو امتلكت صفحة منمقة على تويتر والفيس بوك، فلقد كان لأبي جهل صفحة منمقة - من نوع آخر- ومعلقة على أستار الكعبة وبداخلها لكنها لم تغير جهله، فالجهل لا يغيره إلا نور العلم وإن لم يغيره نور العلم فصاعقة من السماء جديرة بأن تريح البلاد والعباد من الجهلاء في كل عصر.