الدرعية .. وقرابة 600 عام من خدمة الحج

الاحد - 25 يونيو 2023

Sun - 25 Jun 2023

انطوت رحلة الحج عبر الأزمنة على مشاق ومخاطر كثيرة كانت تحيط بحركة القوافل التي تحمل حجاج بيت الله، حيث يرصد المتأمل لآليات الانتقال إلى الديار المقدسة في مكة المكرمة ذهاباً وعودة، تماساً مباشرا مع طبيعة المراحل والظروف التي تكتنفها، بما يعكس الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في شبه الجزيرة العربية.

وبعد تأسيس الدرعية عام 850هـ - 1446م، تحولت إلى أحد أهم محطات توقف قوافل الحجاج، نظراً لتميز موقعها الإستراتيجي ووفرة الغذاء والماء، واستتباب الأمن والأمان والاستقرار في ظل وجود سلطة سياسية قوية أسهمت بفاعلية كبيرة في تأمين طرق القوافل من قطاع الطرق، ووفقاً لوثيقة قديمة تعود إلى العام 981هـ - 1573م، فقد تناولت أثر أمير الدرعية إبراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع المريدي في تأمين وصول قوافل الحجيج إلى مكة المكرمة بكل يسر وطمأنينة.

وقد كان لقرار الأمير مانع المريدي بالقدوم من شرقي شبه الجزيرة العربية والاستقرار في "الدرعية" بعد اتفاقه مع ابن عمه ابن درع على إعادة أمجاد أبائهم الذين استقروا في المنطقة، أثره الكبير في التمهيد لوضع اللبنة الأولى لقيام أعظم دولة في تاريخ شبه الجزيرة العربية، حيث أسس الإمام محمد بن سعود الدولة السعودية الأولى عام 1139هـ - (1727م)، وعمل على ترتيب الأوضاع التي لم تكن مستقرة في نجد نتيجة انتشار الأمراض والأوبئة والخلافات السائدة بين البلدات في ذلك الوقت، وحافظ على طرق قوافل الحجاج والتجارة وأصبحت الدرعية في عهده ذات سلطة مستقلة تماماً عن أي قوى إقليمية. واتسعت رقعة الدولة السعودية في عهد الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود بضمه عدة نواحي، الأمر الذي انعكس على سهولة تأمين طرق الحج وخدمة الحجيج. وقد اتبع أمراء الحجاز من الأشراف سياسة عدائية تجاه الدولة السعودية الأولى ورعاياها، ومن مظاهرها: أنّ العلاقة منذ عهد الإمام محمد بن سعود كانت متوترة بين أمراء مكة من الأشراف والدولة السعودية الأولى، تمثل ذلك في شنهم الدعايات المغرضة لتشويه الدولة السعودية الأولى ومبادئها، إضافة إلى مضايقتهم أهل نجد ومنع السعوديين من الحج مُدداً طويلة.

وبعد تولي الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود الحكم عام 1218هـ ( 1803م) أتم توحيد الحجاز ودخلت الجيوش السعودية مكة المكرمة وأصبح خادماً للحرمين الشريفين بعد إنهاء النفوذ العثماني المعتدي، وداوم الإمام سعود على الحج سنوياً طيلة فترة حكمه ولقب بـ "سعود الكبير" كدليل على ما وصلت إليه الدولة في عهده من عظمة واتساع، حيث امتدت من أطراف الفرات والشام شمالاً، حتى صنعاء ومسقط جنوباً، ومن ساحل الخليج العربي شرقاً حتى البحر الأحمر غرباً.

ويعد الجزء الأخير من عهد الإمام عبدالعزيز بن محمد وعهد ابن الإمام سعود هو العصر الذهبي في تاريخ الدولة السعودية الأولى، حيث بلغت الدولة أقصى اتساعها، وازدهرت مواردها وتعددت، وحج الإمام سعود تسع مرات، فألقى الخطب والدروس العلمية في مكة المكرمة، وكان في كل مرة يكسو الكعبة مرّة بالقز الأحمر، ومرات أخرى بالقيلان والديباج الأسود، وجعل إزارها وكسوة بابها من الحرير المنسوج بالذهب والفضة.

وكانت الدرعية منذ تأسيسها محور ارتكاز رئيس لتأمين رحلات الحج وخدمة الحجاج وتقديم الدعم والرعاية لهم وامتد هذا الشرف العظيم حتى توحيد المملكة العربية السعودية على يد المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل ، وما أولاه للحرمين الشريفين وقاصديهما من الحجاج والمعتمرين من رعاية وخدمات جليلة ومن أوجه ذلك استقباله لهم عام 1357هـ - 1938م وإلقائه كلمة أمامهم أكد فيها على التمسك بكتاب الله وهدي نبيه، وسار على نهجه في خدمة ضيوف الرحمن أبنائه البررة من بعده وصولاً إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ولي عهده الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز فكانت مشاريع التوسعة وتطوير البنى التحتية ومرافق الخدمات في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة والمدينة المنورة شاهداً حياً على ما أنعم به الله على هذه البلاد من نعم، حيث سخر لها قيادة عظيمة أخذت على عاتقها خدمة الإسلام والمسلمين ورفعة شأنهم.