ياسر عمر سندي

المشورة أساس المعرفة

الأربعاء - 21 يونيو 2023

Wed - 21 Jun 2023

تحدثت في مقال سابق الخميس 15 يونيو 2023 بهذه الصفحة عن موضوع «أول ناقل للمعرفة»، إذ تطرقت إلى حقيقة طائر الغراب، الذي يعد أو من نقل التجربة النظرية والعملية للإنسان.

وهنا يكمن أصل النقل المعرفي من حيث الرؤية بالمشاهدة والكيفية بالتطبيق، التي تمت لقابيل حينما قتل أخاه هابيل.

فالإنسان هو صاحب ذلك العقل المفكر الذي اكتسب آلية النقل المعرفي الأولى، والذي مكنه الله تعالى ومنحه كرامة العقل الذي يتدبر ويولد الإبداعات ويبتكر وينقلها للآخرين، لتزيد وتستمر وتتحول لأسلوب حياة وطريقة لمخترعات تتراكم، يستطيع الغير الاستفادة منها لتحقيق الاستدامة وإعمار الأرض.

ويحضرني هنا قوله تعالى: «وشاورهم في الأمر» سورة آل عمران الآية 159.

العليم القدير يستطيع بعلمه القديم وسلطانه العظيم أن ينزل وحيا على نبيه الكريم لتنفيذ مشيئته، ولكنه ـ جل وعلا ـ أراد أن يثبت للإنسان ميزة التشاور من حيث المشاركة التي تزداد وتتنامى بالرأي والرأي الآخر، من مبدأ التبادل الفكري والتناقل المعرفي بالخبرات التي يمتلكها الجميع، وما يدور في عقل كل واحد خلال خلفيته العلمية والعملية، وهو ما يسمى بالعصف الذهني Brain Storming.

فإذا افترضنا أن فريقا واحدا متخصصا في مجال معين اجتمع لإيجاد حل لمشكلة أو لتطوير منتج أو لابتكار فكرة أو لطرح شيء إبداعي، فجميع ذلك يحتاج إلى المشاورة والمحاورة بالشد والجذب للخبرات والتجارب التي مر بها كل عضو من أعضاء الفريق، حتى تكتمل الصورة وتدعم بآراء عدة.

البشر يعتريهم النقص الفطري، وهم بحاجة دائمة للتكامل بالتشاور الفكري. فكل ثغرة لدى الآخر يتم سدها بالآخر لتتحقق سنة التدافع والاحتياج المتبادل وبالتالي كسب الأجر، لأن الإنسان ناقص المعرفة يبحث عن الاكتمال، ولو خلقه الله مكتمل المعرفة لحدث لديه النقص بسبب الأنانية البشرية، وعقلية الندرة التي تجعله يحتفظ بما لديه ليذهب كل واحد بما عنده، ويفرح ويستغني عن الآخر، ولكنها سنة الله سرت في كونه وجرت في خلقه، حتى تتحقق التنمية البشرية خلال التبادلات المعرفية.

برأيي أن معركة الخندق التي حدثت في صدر الإسلام أعدها تشاورا معرفيا أصيلا، بما قام به الصحابي الجليل سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ قبل المعركة وبما أشار به من حفر سياج كبير يفصل المسلمين، ليتخندقوا وراءه ضد عدوهم، وهو ما فعله الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ وأصحابه الكرام، وأصبح لهم الظفر والغنيمة بسبب ذلك التشاور وفضل تلك الخبرة التكتيكية للحرب، والتي تسمى حديثا في فلسفة المعرفة بعمليات التوليد والنشر والمشاركة والنقل والتطبيق المعرفي.

فالمشورة في شتى المجالات أساسها المشاركة المعرفية التي تعكس النمو والتطور والازدهار للشعوب، بسد الحاجات وإضافة الابتكارات وتنويع المخترعات.

Yos123Omar@