أول مهنة قتلها الذكاء الاصطناعي
الاثنين - 19 يونيو 2023
Mon - 19 Jun 2023
في العصور الماضية لم يجد الإنسان نفسه خصما لما يقوم هو بصنعه، إلا إذا كان مخترعا ناقصا، مثل جناح عباس بن فرناس، أو التماس كهربائي، أو خلل ميكانيكي يدل على سوء الصنعة، أو سلاح متفجر، تغدر فيه الآلة بمستخدمها.
وفي عصرنا لم يعد قتل الآلة للإنسان خيالا كما في الألعاب الالكترونية، بل تعداها للأكثر، كما نشر مؤخرا في «قمة القدرات القتالية الجوية والفضائية المستقبلية»، التي عقدت في لندن في مايو 2023، حيث تصرفت طائرة تابعة لسلاح الجو الأمريكي، بذكائها الاصطناعي، وخلال اختبار محاكاة لتولي المسؤولية ووضع الحلول بذاتها، فلم تتردد أن قتلت مشغلها «نظريا» لكيلا يتداخل مع جهودها في إكمال مهمتها، حسب ما ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية!
مستقبل مرعب، فالطائرة الذكية عرفت كيف تعيد برمجة ذاتها، وكيف تختار الحل الأسهل في لحظة عصف ذهني للآلة، فحددت ضرورة إنهاء وجود الإنسان المزعج لها!
في حياتنا الحالية غدت الآلة تحارب الإنسان في رزقه ومهنته، وتسعى لتحجيم عقله، وإظهار ضعفه الإنساني ببطء تفكيره وسهوه وعشوائية أفعاله، حينما يجد نفسه ضدا في مواجهة الآلة.
ومؤخرا طورت شركة «أوبن إيه آي» برنامج دردشات آلية ذكية مدهشة سمتها «شات جي بي تي»، والتي يستطيع أي طفل أو جاهل أو سكران تكليفها بتنفيذ ما يريد، وبالشكل الإبداعي المثالي، والذي يعجز عنه عقل وهواية وحرفة ونبوغ الإنسان المجرد من الآلة.
تصور أن تطلب من الآلة كتابة مقال، تحدد أنت فيه لغته ومحتواه، وطوله، وأن تشترط فيه عدم استخدام أي اقتباسات من أي مقالات سبق ونشرت في الماضي، وأن تحدد للذكاء الاصطناعي صيغة للكتابة، جادة أو خيالية أو علمية أو متخصصة أو أدبية.
وعجبا، فستجد خلال لحظات مقالا متقنا مدهشا يعجز عن الإتيان به أعظم الكتاب وأكثرهم خبرة وموهبة وبحثا ومعرفة.
الأمر جد مريع، والواقعة قاتلة لروح مهنة الكاتب، فمن سيبادر بعدها ويكتب وينشر مقالاته؟ وهو يدري أن الآلة تستطيع أفضل وأدق وأشمل مما سيقدم، وبوقت لا يذكر!
وداعا للكاتب الفرعوني القديم، ولنساخ مخطوطات الماضي، ولكل كاتب عصري سيضحك من شدة الصدمة، ولكنه وبعد فترة من التفكر والكآبة والتدبر، لا بد أن يبكي محبطا، فكل ما يمتلكه من قدرات أصبحت مهددة بالانتزاع منه على يد آلة.
كتاباته وإبداعاته وكتبه وأرشيفاته الصحفية قريبا ستتفرق أحبارها بين قبائل الآلات.
هذا قتل متعمد لروح وطموح الكاتب، ونفي تميز مهنته، فلا نعود نسمع عن وظيفة كاتب، حيث يستحيل عناد الوجود ومنافسة تطورات الذكاء الاصطناعي الدقيق العجيب القاتل لكل إبداع وبحث وتوصيف وتميز بشري، كون مجرد ضغطة زر قادرة على مسح كل قيمة صحفية وتميز في التعبير والتوصيل.
يا معشر الكتاب لقد اختاركم الذكاء الاصطناعي لتكونوا أوائل قتلاه الحقيقيين، ولتكون مهنتكم أول المهن الراحلة لرفوف المتاحف، ونصيحة مني بأن تستغلوا فرصتكم الأخيرة لترثوا أنفسكم، وزمانكم، كما رثى مالك بن الريب نفسه عند من كانوا يدفنونه بالقبر:
أقول لأصحابي ارفعوني فإنه
يقرّ بعيني أن سهيل بدا ليا
وأوكد لكم أن سهيل عصرنا ليس إلا لمعة زر الآلة الذكية، وربما ثنايا ضحكة الروبوت المنتصرة.
shaheralnahari@
وفي عصرنا لم يعد قتل الآلة للإنسان خيالا كما في الألعاب الالكترونية، بل تعداها للأكثر، كما نشر مؤخرا في «قمة القدرات القتالية الجوية والفضائية المستقبلية»، التي عقدت في لندن في مايو 2023، حيث تصرفت طائرة تابعة لسلاح الجو الأمريكي، بذكائها الاصطناعي، وخلال اختبار محاكاة لتولي المسؤولية ووضع الحلول بذاتها، فلم تتردد أن قتلت مشغلها «نظريا» لكيلا يتداخل مع جهودها في إكمال مهمتها، حسب ما ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية!
مستقبل مرعب، فالطائرة الذكية عرفت كيف تعيد برمجة ذاتها، وكيف تختار الحل الأسهل في لحظة عصف ذهني للآلة، فحددت ضرورة إنهاء وجود الإنسان المزعج لها!
في حياتنا الحالية غدت الآلة تحارب الإنسان في رزقه ومهنته، وتسعى لتحجيم عقله، وإظهار ضعفه الإنساني ببطء تفكيره وسهوه وعشوائية أفعاله، حينما يجد نفسه ضدا في مواجهة الآلة.
ومؤخرا طورت شركة «أوبن إيه آي» برنامج دردشات آلية ذكية مدهشة سمتها «شات جي بي تي»، والتي يستطيع أي طفل أو جاهل أو سكران تكليفها بتنفيذ ما يريد، وبالشكل الإبداعي المثالي، والذي يعجز عنه عقل وهواية وحرفة ونبوغ الإنسان المجرد من الآلة.
تصور أن تطلب من الآلة كتابة مقال، تحدد أنت فيه لغته ومحتواه، وطوله، وأن تشترط فيه عدم استخدام أي اقتباسات من أي مقالات سبق ونشرت في الماضي، وأن تحدد للذكاء الاصطناعي صيغة للكتابة، جادة أو خيالية أو علمية أو متخصصة أو أدبية.
وعجبا، فستجد خلال لحظات مقالا متقنا مدهشا يعجز عن الإتيان به أعظم الكتاب وأكثرهم خبرة وموهبة وبحثا ومعرفة.
الأمر جد مريع، والواقعة قاتلة لروح مهنة الكاتب، فمن سيبادر بعدها ويكتب وينشر مقالاته؟ وهو يدري أن الآلة تستطيع أفضل وأدق وأشمل مما سيقدم، وبوقت لا يذكر!
وداعا للكاتب الفرعوني القديم، ولنساخ مخطوطات الماضي، ولكل كاتب عصري سيضحك من شدة الصدمة، ولكنه وبعد فترة من التفكر والكآبة والتدبر، لا بد أن يبكي محبطا، فكل ما يمتلكه من قدرات أصبحت مهددة بالانتزاع منه على يد آلة.
كتاباته وإبداعاته وكتبه وأرشيفاته الصحفية قريبا ستتفرق أحبارها بين قبائل الآلات.
هذا قتل متعمد لروح وطموح الكاتب، ونفي تميز مهنته، فلا نعود نسمع عن وظيفة كاتب، حيث يستحيل عناد الوجود ومنافسة تطورات الذكاء الاصطناعي الدقيق العجيب القاتل لكل إبداع وبحث وتوصيف وتميز بشري، كون مجرد ضغطة زر قادرة على مسح كل قيمة صحفية وتميز في التعبير والتوصيل.
يا معشر الكتاب لقد اختاركم الذكاء الاصطناعي لتكونوا أوائل قتلاه الحقيقيين، ولتكون مهنتكم أول المهن الراحلة لرفوف المتاحف، ونصيحة مني بأن تستغلوا فرصتكم الأخيرة لترثوا أنفسكم، وزمانكم، كما رثى مالك بن الريب نفسه عند من كانوا يدفنونه بالقبر:
أقول لأصحابي ارفعوني فإنه
يقرّ بعيني أن سهيل بدا ليا
وأوكد لكم أن سهيل عصرنا ليس إلا لمعة زر الآلة الذكية، وربما ثنايا ضحكة الروبوت المنتصرة.
shaheralnahari@