فيصل الشمري

زيارة بلينكن للسعودية والحديث بلغة العقل

الاحد - 18 يونيو 2023

Sun - 18 Jun 2023

إن الرسائل الواضحة التي أسفرت عنها سلسلة الاجتماعات التي عقدت في أوائل هذا الشهر في المملكة العربية السعودية، والتي جمعت ما بين وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن وعدد من المسؤولين السعوديين، لهي دلالة واضحة على أن الدولتين لديهما القدرة على التواصل والحوار بطرق طبيعية وصريحة ومنظمة ومنتظمة.

وهذا التواصل السعودي الأمريكي الدبلوماسي مستمر عبر سنوات وعقود عدة وسيستمر أيضا في المستقبل.

وتجلى هذا التفاهم الأمريكي السعودي في النجاح في إقامة سلسلة مباحثات جادة وصلبة بين الطرفين والتي تضمنت سبل حل الأزمات المشتعلة حاليا في السودان وإثيوبيا واليمن، ولقد قدمت المملكة لوزير الخارجية الأمريكي مجموعة من النصائح الهامة التي ترمي إلى تعزيز فرص السلام في تلك المناطق المضطربة عن طريق دعم فرص وقف إطلاق النار فيها مع إرساء ضمانات لعدم تجدد القتال.

واشتملت المباحثات أيضا على مناقشة ما يجب عمله بعد نجاح المجهود العسكري والذي أسفر عن تحرير مناطق شاسعة في كل من العراق وسوريا من قبضة تنظيم الدولة والعديد من المنظمات الأخرى المتطرفة، وينتشر هذا المجهود على نطاق واسع وهذا سيؤدي إلى استعادة كل من العراق وسوريا لكامل سيادتهما على أراضيهما.

وكان من الواضح أيضا في خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي للسعودية أن البلدين يتحدثان بلغة العقل والمنطق والحكمة للمصالح المشتركة، إن لغة الاعتدال هذه من قبل الرياض وواشنطن أمر ضروري جدا لتحقيق التقدم في منطقة الشرق الأوسط بصورة عامة ومنطقة الخليج بصفة خاصة؛ لذا لم يكن هذا اللقاء السعودي الأمريكي الهام يخص فقط هاتين الدولتين بل كان يخص أيضا كل الدول العربية والإسلامية؛ لأن غياب دورهما الإيجابي في المنطقة سيزيد من اشتعال الأزمات وتجدد الحروب في منطقة الشرق الأوسط، ولم يكن هناك أي مجال للشائعات عن اعتراض أمريكا على تطبيع المملكة العربية السعودية لعلاقاتها مع الجمهورية الإسلامية في إيران؛ لأن حكومة الولايات المتحدة وإدارة الرئيس جو بايدن على وجه الخصوص تحترم الإرادة القومية والسيادة العليا للحكومة السعودية وقيادتها السياسية فيما تراه صالحا ونافعا لمصالح بلدها.

ومن بين أهم التوصيات التي شملتها الجلسة الختامية للمؤتمر الصحفي، هو إلقاء الضوء على قضايا البيئة والمناخ والتقدم التكنولوجي والذكاء الاصطناعي، جنبا إلى جنب مع الإعلام وتحديات العمل الأهلي والخصوصيات الثقافية، بوصفها جميعا قضايا تتعلق بالنقاش الأوسع حول مناخ الحرية الذي عزز فرص التفاهم.

وكانت الثقة المتبادلة هي عنوان مباحثات بلنكين مع نخبة السياسة الخارجية السعودية؛ وهذا يعني القدرة من قبل أمريكا والسعودية على تحفيز ذاتهم تلقائيا من دون الحاجة إلى التحفيز الخارجي القادم من دول أخرى، ومكنت هذه الثقة المتبادلة الدولتين من تعريف ما هو ضروري وما هو أولى فيما يتعلق بالموضوعات التي يجب مناقشتها، بل استطاعت المملكة فرض شروطها على أمريكا عن طريق تذكير واشنطن بضرورة حل القضية الفلسطينية وقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس.

وما أثار انتباه الخبراء السياسيين هو بروز روح السياسية الواقعية في مجال السياسة الخارجية لكل من السعودية وأمريكا وهذا يعني في المقام الأول الإيمان بالقدرة على تجاوز الخلافات والعمل على تحقيق ما هو ممكن بين الدول بعضها البعض، مع التركيز على إعلاء المصالح القومية والاستراتيجية التي تجمع ما بين السعودية والولايات المتحدة، وهذا أيضا له مدلول سياسي هام وهو قدرة كل من السعودية وأمريكا على تعريف دورها في العالم.

وقد اعتمدت نظرية الواقعية في السياسة الخارجية السعودية على مفاهيم خاصة لفهم تعقيدات السياسة الدولية وتفسير السلوك الخارجي للدول، لعل أبرزها الدولة، القوة، المصلحة، العقلانية، تجنب الفوضى الدولية، وتمكين النخبة السياسية من تطبيق مصالح وأهداف الدولة. إن الواقعية السياسية كانت واضحة في الاستخدام الكثير أثناء المباحثات الأمريكية السعودية للتعبير عن الشراكة.

الشراكة الاستراتيجية كما تنفذها المملكة مع الولايات المتحدة هي إضفاء العمق على الشراكات الاقتصادية الاستراتيجية مع دول كبيرة، والتي بدورها تمتلك المكونات الأساسية لأن تلعب دورا سياسيا نشطا وهذا أيضا يؤدي إلى تقوية أمريكا إلى علاقاتها الاستراتيجية بدول المنطقة ودول مجلس التعاون الخليجي.

لا يمكن إنكار أن كل الإدارات الأمريكية سواء كانت ديموقراطية أو جمهورية تدرك الأهمية الاستراتيجية والتاريخية للمملكة العربية السعودية، ومن المهم أيضا إدراك البعد الأخلاقي والمثالي العالي للاجتماعات الأمريكية السعودية الأخيرة؛ لأن الطرفين يركزان على ضرورة مكافحة المخدرات التي تصدر بمعرفة جماعات لا تبغي إلا الشر لشعوب المنطقة العربية والتي تفتك بصحة الملايين من العرب والمسلمين، وهذا الإعلان يبشر بزيادة التعاون الأمني السعودي الأمريكي في مجال مكافحة الإدمان.

الأمر الآخر الذي يسترعي انتباه المعلقين السياسيين هو قدرة السعودية على أن تكون سياساتها الخارجية نابعة من سياساتها المحلية وقوانينها الداخلية وظروف مجتمعها، وهذا يؤدي بدوره إلى مصداقية الدبلوماسية السعودية وثقة العالم بأسره في المملكة وقيادتها، الدبلوماسية السعودية لها شخصيتها المستقلة والذكية وهي الحرفية في إدارة الحوار، واستنباط المعنى من دون عناء من قبل أي دول تخاطبها المملكة.

تقدم كل من السعودية والولايات المتحدة نموذجا جيدا على كيف يكون التعاون في مجال السياسية أمرا طيبا لمصلحة كل شعوب العالم خصوصا لو أن استراتيجية المصالح المشتركة بين بلدين ما، هي الأساس والركيزة لهذا التعامل.

وإذا كانت الشراكة الاستراتيجية الأمريكية السعودية قوية ومتينة، فليس هناك حاجة على برهنتها أو إثباتها، فنجاح الشراكة الأمريكية السعودية مصدره هو أن الدولتين ترسمان خطط سياستهما الخارجية على امتداد فترة زمنية طويلة الأمد، وهذا درس مهم لكل دول العالم.

هناك العديد من الدول والأمم التي تتعثر في رسم سياستها الخارجية، أو أن تطبق سياسة خارجية ناجحة، والسياسة الخارجية بطبيعة الحال بيئة متجددة تواكب الأحداث والتفاعلات التي يشهدها النظام العالمي على المستويات السياسية، والاستراتيجية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.

والقول الأخير هو أن على دول العالم جميعا أن تستفيد من الواقعية السياسية للشراكة الاستراتيجية السعودية الأمريكية حتى تثمن سياستها الخارجية بالنجاح.

mr_alshammeri@