خالد العويجان

العقد الاجتماعي السعودي

السبت - 17 يونيو 2023

Sat - 17 Jun 2023

المجتمعات والشعوب حقيقة ثابتة، والحكومات في الأغلب متغيرة.

أصبحت حتى الدول تخضع لعرض وطلب المعارضين والمناهضين لها، الداخل له طريقته الخاصة، والخارج كذلك، والدولار «الملعون» له مساحته الخاصة، والمال السياسي يفتح الباب على مصراعيه للمرتزقة، والعالم العربي خلال الألفية كان شاهدا على ظهور النشاز والرخص السياسي، وكيف يمكن لإنسان أن يبيع وطنه مقابل حفنة من المال.

وقبل ذلك أيضا، كان العالم العربي ميدانا لتيارات فكرية حرص معتنقوها على بسطها ونشرها لتصنع لهم مجدا فرديا، من ذلك مشروع جمال عبدالناصر العروبي التوسعي، القائم على الولاءات المطلقة، لكن هذا المشروع لم يستمر لبطلان أساساته وقواعده؛ لأنه اتخذ شعار العروبة وسلك طريق النفعية الخاصة والمصلحية لفئة معينة كانت متنفذة آنذاك - أقصد عبدالناصر والدائرة المحيطة به من تيارات سياسية «عروبية» -، إذ سيطروا على العقول من منطلق ثقافي وإعلامي.

وكذلك كان صدام حسين، لكن الاختلاف كان في التفاصيل. فعبدالناصر يختلف عن صدام حسين في أنه يملك مشروعا عابرا للوطن، يعتمد على فكرة الزعامة الكبرى، وكذا القذافي إذ لم يكن بعيدا عن هذه الشاكلة، وعلي عبدالله صالح في اليمن، الذي تغطرس على الشارع اليمني؛ فقال ذات مرة: «من يحكم اليمن يجب أن يجيد الرقص على رؤوس الثعابين»، فكان ذلك بمنزلة خطاب مغرور متعال على أبناء وطنه.

ما سبق ذكره يقودنا إلى تصور البحث عن الأمجاد الشخصية للزعيم فقط، يقابله صورة مختلفة قائمة على امتداد تاريخي لقرون.

ففي المملكة؛ القائد هو امتداد لسلسلة من الأبطال الذين حفروا أسماءهم في أسفار المجد، بدءا من الإمام محمد بن سعود وصولا إلى الملك المؤسس وأبنائه.

والحديث عن العلاقة التي تربط الدولة بالشعب في المملكة العربية السعودية شيق إلى حد كبير. وحين أقول الدولة فإني أعني «الملك وولي العهد»، إذ الدولة شيء والأسرة الحاكمة شيء آخر. والدولة أيضا شيء والحكومة أمر مختلف.

السعوديون وأنا وأنت يا صديقي أحدهم، قد نغفل عن عديد من الملفات المهمة والحساسة، التي تؤطر علاقتنا بالدولة، أي بالملك وولي العهد باعتبارهما يمثلاني ويمثلانك في نهاية المطاف.

فالعقد الاجتماعي الذي يربطنا أكبر بكثير مما يخال البعض، وأعمق من تفكير آخرين.

والعقد الضمني - الذي يربط الملك بأبناء شعبه - رابط عظيم له قيمة عظيمة في النفوس، يحفظ أسس الدولة، ويطورها ويضيف عليها، ومن أعظم بنود هذا العقد إنسان هذا الوطن.

فالملك المؤسس، وهو يرسم سياسة دولته، راهن على أبناء الوطن بمختلف مشاربهم، سواء أبناء الأقاليم أو أبناء البادية أو الحاضرة ليستظلوا دوحة الوطن، وينعموا ويأمنوا فيكون الولاء والانتماء للوطن فقط لا للقبيلة ولا الإقليم ولا أي شيء غيره، وعندما قاد رجاله لأعظم قصة توحيد في العصر الحديث كان يستشرف مستقبل هذا الوطن، وينظر بتفاؤل ويقين، فيقول: «سأجعل منكم شعبا عظيما، وستستمتعون برفاهية هي أكبر من تلك التي عرفها أجدادكم»، إذن كان الإنسان السعودي هو أس كل فكرة، وغاية كل جهد يرسمه القائد، وبمثل هذا يؤسس العقد الاجتماعي بين الملك وشعبه، وعلى المنوال نفسه اختط الملوك الأبناء من بعده الخط نفسه، فساروا على نهج والدهم، كل يكمل مسيرة سابقه، يبنون وطنا جذوره راسخة في التاريخ، يسعى سعيا حثيثا إلى التحديث برزانة القائد المجرب الخبير الذي يدرس خططه، ويبنيها من أجل وطنه وأبنائه.

هذا النهج أصبح خطا سياسيا يراعي الإنسان في المقام الأول، ويتجرد من نرجسية الحاكم، فالقرارات التي تصدر عن الدولة، يستحيل أن تصدر دون دراسة وتمحيص عن مدى ارتباطها بالإنسان وماذا ستحقق له وما أثرها عليه.

إن اللبنة الأساسية للدولة والمجتمع، تشترك في نقاط ارتكاز كبرى، أولها وحدة الدم، والعقيدة، والوطنية، والإيمان الكبير بالعمق الاجتماعي الذي تشترك فيه جميع أقاليم وقبائل وأسر هذه الدولة، من بادية وحاضرة، فالجميع تحت عباءة الدولة، وفي إطار عقد اجتماعي مقدس، لم ولن يختل منذ مئات الأعوام.

إنها هكذا المملكة العربية السعودية، ذات المزايا الخاصة. فيها يتخلى فيها الحاكم عن نرجسيته، وجاهه ومقامه، ليعمل ليل نهار، كموظف هدفه الأول والأخير، هذا الشعب العظيم.

بهذا الطموح والشغف عاش عبدالعزيز، وتشرّب أبناؤه وأحفاده من بعده؛ لذا نرى حفيد المؤسس الأمير محمد بن سلمان «فارس الرؤية وملهمها» بالذهنية العظيمة نفسها، وها نحن أحفاد جنود توحيد الوطن نردد العبارة ذاتها التي يتبناها أميرنا الطموح «المستحيل ليس سعوديا».