يوسف الحمادي

بوادر فرنسية لتعديل توجهاتها السياسية!

السبت - 17 يونيو 2023

Sat - 17 Jun 2023

يبدو أن فرنسا أعادت النظر في مواقفها السياسية، فهناك بوادر توحي بتغيير في نهجها السياسي وإعادة تنظيم علاقاتها الدولية، بالتركيز على مصالحها والمنافع المشتركة، التي لن تتحقق إلا مع الدول ذات الرؤية المستقبلية الجادة، والنهج السياسي المعتدل، بدلا من أسلوبها المتعارف عليه في استخدام منطلقات عفا عنها الزمن، تعتقد من خلالها بأنها تمتلك أوراق ضغط تساوم عليها لكسب رهانات سياسية بعينها، مثل قضايا حقوق الإنسان والمدافعة عنها بطرق ملتوية لا تمت للواقع بصلة، وميلها للمشاريع الإيرانية المتطرفة بالمنطقة العربية، وممارستها لدور «الملكي أكثر من الملك» في ملف لبنان مع دول الخليج، وحسابتها المعقدة لتنفيذ ما يخدم المعسكر الغربي في معاركه ضد الشرق، وغيرها من الملفات.

وهذا التعديل في النهج السياسي الفرنسي يعود لعدة أسباب، أبرزها تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي هزت الاقتصاد الفرنسي وكشفت للفرنسيين ضرورة إعادة تقييم حلفائهم، ومعايير بناء الثقة بهم، وعن ذلك، تحدث الرئيس الفرنسي في نوفمبر الماضي، مستنكرا ما وصفه بالإجراءات الاقتصادية شديدة العدوانية التي اتخذها نظيره الأمريكي جو بايدن لتعزيز قطاع الصناعة في الولايات المتحدة، وقال آن ذاك: «إن الإجراءات الأمريكية شديدة العدوانية بالنسبة لشركاتنا».

تلى ذلك تصريح آخر في شهر أبريل الماضي، بعد زيارة ماكرون للصين، عندما قال: «إن أوروبا لا ينبغي أن تتصرف كتابع للولايات المتحدة، ولا ينبغي لها أيضا أن تورط نفسها في أزمات لا تخصها»، وهو نفسه الذي دعا قبل أربعة أعوام إلى التعامل بحزم مع الصين، وتعزيز الموقف تجاه بكين بسبب سياستها الخارجية، وتصرفها أثناء تفشي فيروس كورونا، ودعمها لروسيا على حساب أوكرانيا.

وبالتوازي مع هذا التحول الفرنسي، يمثل الانفتاح السعودي على فرنسا، خصوصا في قطاع المال والأعمال، ومشاركة السعودية في قمة «من أجل ميثاق مالي عالمي جديد» التي تنظمها باريس في 22 و 23 يونيو الجاري، فرصة ذهبية لفرنسا التي تأذت اقتصاديا بسب تداعيات الحرب «الروسية الأوكرانية»، وما زالت تعاني على المستوى الشعبي، إذ لا يمر شهر دون خروج آلاف المتظاهرين، الذين ما زالوا يعانون من سياسات حكومة ماكرون، التي لا تكترث لهم ولمطالبهم المتكررة في موضوعات أسعار الطاقة وقانون التقاعد وغيرها.

وامتدادا لهذا الانفتاح السعودي، فإن طلائع نتائج زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولقاءه بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والاجتماعات التي تجريها وفود سعودية رفيعة المستوى في مجالات الاستثمار والصناعة في باريس هذه الأيام، تعكس توافقا سعوديا فرنسيا في المضي قدما باقتصاد البلدين نحو مزيد من التعاون والشراكة، وهو ما يعطي إشارة إلى أن المشروع السعودي التنموي الحضاري الأكبر في المنطقة العربية، وما رافقه من نجاحات متتالية اقتصاديا ودبلوماسيا، أثار إعجاب باريس، بل إنه جعلها تغير أسلوبها الدبلوماسي في التعاطي مع ملف الشرق الأوسط بأكمله.

خلاصة القول، إن العالم يمر بمتغيرات سريعة، والدول تتخذ حلولا أكثر تطورا لتنمية مجتمعاتها، وتنظيم علاقاتها الدولية، وحماية أمنها، وضمان استدامة اقتصاداتها، مثل ما فعلته الصين والبرازيل وجنوب أفريقيا من خلال مجموعة «بريكس» وغير ذلك من الحلول، لكن هنالك ثوابت في المعادلة السياسية تمنح أي دولة الثقة في علاقاتها مع الدول الأخرى، ولعل ما يهمنا منها اليوم اثنين هما: التوجه السياسي الواضح، مع عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والرؤية التنموية الجادة، التي تقوي الاقتصاد وتعزز الشراكات بين الدول.

أتصور أن المملكة تمثل أبرز نموذج عصري يعكس هذين الثابتين، وهو ما يجعل فرنسا تتخذ من السعودية شريك نجاح، شرط أن تتجه للمستقبل وتتخلص من العقد السياسية القديمة، والتبعية المطلقة لشرطي العالم «أمريكا» الذي عثا في الأرض عبثا وخرابا بداعي الديموقراطية والإصلاح ورد الحقوق للدول والشعوب.

binmautaib@