سعد باسلوم

ماذا صنعت دول العالم حتى تقيم اقتصادا من لا شيء؟

الخميس - 15 يونيو 2023

Thu - 15 Jun 2023

يزداد استخدام الطب التكميلي والمعروف اختصارا بـ(CAM) بمختلف أشكاله وفي صور مختلفة في حياة الإنسان، سواء بالصورة الذهنية المرسومة عنه في الوعي المجتمعي، أو بأشكال أخرى يتم تطويعه فيه بأسلوب أكثر حداثة وبمنظور مختلف تماما، سواء في الممارسات الفردية أو على المستوى المؤسسي في المجتمعات والمؤسسات والدول المعنية كثيرا بصحة الفرد العقلية والذهنية وكذلك الجسدية.

كما ذكرنا في مقالات سابقة، أن الطب التكميلي يحوي مجموعة واسعة من الممارسات، مثل الوخز بالإبر وطب الأعشاب وتقويم العمود الفقري، وكثير من الممارسات الأخرى التي تتقاطع مع الطب الغربي، بل في الأصل وقبل كل هذا التطور الذي حدث في الطب. كان الطب التكميلي هو الأصل الذي بدأ منه كل شيء لاحقا حتى وصلنا إلى ما نحن عليه، و مع نمو استخدام الطب التكميلي أو البديل، طورت بعض البلدان آليات لدعم وتعزيز الطب التكميلي كوسيلة لتوليد الدخل وجذب السياح كذلك.

في هذه السلسلة سنبدأ حديثنا عن اقتصادات الطب التكميلي أو البديل، ونبحر سويا لنستعرض التجارب الناجحة للبلدان التي أصبحت يشار إليها على أنها القدوة والنموذج والسبق في هذا المجال. سنتعرف خلال هذه السلسلة على الجوانب الأساسية لاقتصادات الطب التكميلي خلال استعراض لمحات عامة عن الدول التي جعلت من الطب التكميلي اقتصادا قائما بذاته، على أن نستكمل ونستعرض هذه التجارب (كل على حدة) والتخطيط لها وكيف بدأت والجوانب المميزة والمختلفة لكل تجربة، تبعا للطبيعة الجغرافية والإرث الثقافي والتنوع الديموجرافي لكل من هذه الدول:

في بلاد الأفيال.. حيث قطعوا الأميال

الهند لديها تاريخ طويل في الطب التقليدي، بما في ذلك الأيورفيدا، وهو نظام طبي تمت ممارسته في الهند منذ آلاف السنين، أخذت الهند خطوات جادة في التعامل مع موروثها الطبي، إذ شمل ذلك إنشاء وزارة الأيورفيدا واليوغا والمعالجة الطبيعية أوناني والمعالجة المثلية (AYUSH)، وهي المسؤولة عن تعزيز وتنظيم الطب التقليدي في الهند، فضلا عن إنشاء مراكز امتياز لبحوث الطب التقليدي والتعليم.

وفقا لتقرير صادر عن اتحاد الصناعة الهندي (CII)، كان من المخطط أن يصل السوق العالمي لمنتجات الأيورفيدا إلى 6.6 مليارات دولار بحلول 2020، يشير التقرير أيضا إلى أن السوق المحلي الهندي لمنتجات الأيورفيدا ينمو بمعدل 10-15% سنويا. أيضا، وفقا لدراسة أجرتها وزارة السياحة الهندية، زاد عدد الزوار الذين يأتون للسياحة العلاجية بالهند من (150 ألفا) في 2002 إلى (1300500) زائر في 2017. وتشير الدراسة أيضا إلى أن السياحة العلاجية في الهند تدر إيرادات قدرها 3 مليارات دولار سنويا.

التنين الصيني.. رواد الطب الصيني

تتمتع الصين بتاريخ طويل في الطب التكميلي، بما في ذلك الطب الصيني التقليدي (TCM)، الذي يمارس في الصين منذ آلاف السنين. في السنوات الأخيرة، اتخذت الحكومة الصينية خطوات للترويج للطب الصيني، كوسيلة لتوليد الدخل وجذب السياح للعلاج، وفقا لتقرير صادر عن الأكاديمية الصينية للعلوم الطبية الصينية، بلغت قيمة سوق الطب الصيني في الصين 130 مليار دولار في 2016، ومن المتوقع أن تنمو إلى 420 مليار دولار بحلول 2025. هذا النجاح أيضا تحقق على المستوى السياحي، إذ إنه وفقا لدراسة أجرتها إدارة السياحة الوطنية الصينية، زاد عدد السياح الطبيين الذين يزورون الصين من 13 ألفا في2001 إلى 500 ألف في 2016. كذلك تشير الدراسة أيضا إلى أن السياحة العلاجية في الصين تحقق إيرادات قدرها 10 مليارات دولار سنويا، يعود الفضل في هذه الأرقام من الإيرادات إلى الطب الصيني، إذ حقق جزءا كبير من هذه الإيرادات.

الولايات المتحدة.. مفهوم آخر للنمو

في الولايات المتحدة، تزداد شعبية استخدام ممارسات الطب التكميلي، لكن الحكومة لا تدعم هذه الصناعة بالطريقة نفسها التي تدعمها الحكومات في الهند والصين. وفقا لدراسة أجراها المركز الوطني للصحة التكميلية والتكاملية (NCCIH)، فإن استخدام ممارسات الطب التكميلي في الولايات المتحدة منتشر على نطاق واسع، إذ يستخدم حوالي 38% من البالغين ممارسة من أحد ممارسات الطب التكميلي في 2012. وتشير الدراسة أيضا إلى أن استخدام الطب التكميلي آخذ في الازدياد سنويا، مع زيادة عدد البالغين الذين يستخدمون ممارسات الطب التكميلي من 36% في 2007 إلى 38% في 2012.

في 2017، كانت هنالك دراسة أخرى أجريت في مجلة pew research centre، أفادت بأن نحو خمس عدد السكان في أمريكا بمختلف أعمارهم، وبالطبع تكون النسبة الأكبر من البالغين هم من الممارسين للأنواع المختلفة من الطب التكميلي، وبحلول نهاية العام الحالي ووفقا لموقع Statista، من المتوقع أن تصل إيرادات الطب التكميلي إلى حوالي 30.6 مليار دولار أمريكي في الولايات المتحدة، وقد قام الموقع بعمل دراسة للإيرادات السنوية الفعلية والمقدرة والمتوقعة لمقدمي الرعاية الصحية التكميلية، وخدمات الرعاية الصحية في الولايات المتحدة في الفترة بين 2013 و2023، إذ كشفت أنها قد زادت الأرباح والإيرادات بنحو يتجاوز النصف لما كان عليه الأمر في بداية الدراسة، إذ كانت بنحو 20 مليار دولار في 2013 إلى 30.1 مليار دولار في 2022.

اليونان

وفقا لدراسة أجرتها جامعة ثيساليا في 2019، قدر التأثير الاقتصادي للطب التكميلي في اليونان بنحو 1.2 مليار يورو، وجدت الدراسة أن صناعة الطب التكميلي توظف حوالي 24 ألف شخص، وتمثل 0.6% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

إضافة إلى ذلك، وجدت الدراسة أن الصناعة تنمو بمعدل 8.5% سنويا، هذا جدير بالذكر إلى أن عوامل مثل الأزمة المالية الطاحنة التي تعيشها اليونان، منذ أن ضربت الأزمة المالية العالمية في 2008 كل العالم، لا تزال تعاني اليونان على وجه التحديد من تبعات هذه الأزمة، ورغم ذلك فإن الطب التكميلي كان قادرا على أن يكون رافدا من روافد الدخل القومي لليونان في السنوات الماضية، رغم صغر حجم الرقم، إلا أنه لا يجب أن ننسى الظروف الاقتصادية التي مرت بها البلاد، وأن هذه الأرقام تعكس التأثير المباشر للصناعة، وأن هنالك روافد أخرى متعلقة بالصناعات والاقتصاديات سنتكلم عنها لاحقا، في مقال خاص ومفصل عن الطب التكميلي في اليونان.

بلاد السامبا

ينمو الإنفاق على الطب التكميلي بسرعة في البرازيل، إذ قدر المبلغ بنحو ما يقرب من 4.9 مليارات دولار في 2017. ومن المتوقع أن تصل إلى 9.0 مليارات دولار بحلول نهاية 2023، وهو ما يمثل معدل نمو سنوي مركب قدره 11.7%. تتفرد البرازيل برقم مرتفع على المستوي العالمي وهذه النسبة هي أعلى نسبة على الصعيد المحلى في إجمالي الإنفاقات على هذا القطاع، إذ تمثل ممارسات الطب التكميلي 5-10% من إجمالي الإنفاق الصحي في البرازيل، ونظرا للطبيعة التي تتميز بها البرازيل والطقس الملائم لبعض المنتجات العشبية التي تستخدم في الطب التكميلي، فإن هذا القطاع هو الأسرع والأنشط والأكثر نموا من القطاعات والمدخلات المختلفة للطب التكميلي في البرازيل.

ختاما، يزداد استخدام الطب التكميلي (CAM) في جميع أنحاء العالم، وقد طورت بعض البلدان آليات لدعم وتعزيز الطب التكميلي أو البديل، كوسيلة لتوليد الدخل وجذب السياح لأغراض علاجية. فالهند والصين دولتان نجحتا في تطوير صناعات الطب التكميلي، إذ تمثل الأيورفيدا والطب الصيني التقليدي أجزاء كبيرة من عائدات السياحة العلاجية لكل منهما.

وفي الولايات المتحدة، يتزايد استخدام الطب التكميلي، رغم الطريقة المختلفة التي تتعامل بها الحكومة في هذا الصدد، بخلاف ما يحدث في الهند والصين. ومع ذلك، فإن الإنفاق الشخصي من المواطنين والمقيمين والزائرين على الطب التكميلي في الولايات المتحدة كبير، مما يشير إلى وجود سوق متنامية لدعم الطب التكميلي في البلاد، خاصة أن الولايات المتحدة تتمتع بنظام صحي يزخر بكثير من مراكز الأبحاث الطبية.

وهنا لا بد وبكل وضوح وليس تحيزا منا أو انحيازا لوطننا الأم – المملكة العربية السعودية – مملكة الخير والرخاء والتقدم، ولكن نحن نتحدث عن حقائق ووقائع وتاريخ متحقق، ورؤية متجذرة تستكمل على مدار السنين، مصاحبة رؤية عصرية طموحة بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان (حفظه الله)، فلقد كان للمملكة السبق في إنشاء المركز الوطني للطب البديل والتكميلي، إذ إنه الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط، الذي كانت له الريادة والأخذ على عاتقه كي يكون المركز والمصدر للتشريعات، ونشر ثقافة الطب التكميلي في جميع أرجاء المنطقة، من حيث الترويج لأهمية هذا القطاع، أو خلال تطويره والعمل على جعله عامل جذب للسياح، وداعما للاقتصاد ليتماشى مع أهداف رؤية 2030.

@SaadBaslom