عبدالله العولقي

الثقافة العربية أمام تجربتين

الأربعاء - 14 يونيو 2023

Wed - 14 Jun 2023

الثقافات البشرية تتأثر فيما بينها ويحدث بينها تلاقح وتطور، وفي سيرورة التاريخ دلائل عديدة.

بعد أحداث ما يسمى بالربيع العربي تحدث البعض عن الأخطار المحدقة بالثقافة العربية من جراء سياسات التفريس والتتريك في بعض البلدان العربية بيد أن الأحداث اللاحقة أثبتت أن الثقافة العربية بقيت صامدة رغم كل منهجيات التغيير القسري في مناهج التعليم والخطاب الرسمي؛ لأن الثقافات في جوهرها مرتبطة بذهنية اللاوعي الجمعي المجتمعي ومن الصعب استبدالها بالكلية، ولكنها تتأثر وتتلاقح مع غيرها.

الثقافة العربية الآن أمام تجربتين متصارعتين عالميا، الأولى هي التجربة الغربية بقيادة الولايات المتحدة وهي تجربة حديثة زمنيا ولكنها ثمينة وثرية في أثرها لا سيما ما يتعلق بالجانب العلمي منها، فأرقى الجامعات العالمية والمعاهد المتخصصة هي نتاج الثقافة الغربية، وقد استفاد العرب من هذه التجربة المثيرة.

إشكاليتنا كعرب مع الثقافة الغربية يتعلق بعدة مسائل مثل الديمقراطية مثلا، فقد أثبتت التجارب فشل الديمقراطية في بيئتنا العربية وعدم مواءمتها لطبيعة الذهن العربي، كما أن الغرب في الآونة الأخيرة قد جعل الديمقراطية كورقة ضغط سياسية في دبلوماسيته الخارجية، الأمر الذي أبعد العرب أكثر من هذه التجربة الغربية، أيضا، هناك إشكاليات أخرى يصر الإعلام الغربي على ترويجها في ثقافتنا العربية كالمثلية مثلا، والتي تتناقض مع أبجديات العقل العربي!!.

زمنيا، في آخر ثلاثة قرون تمكن الغرب من إحداث نقلة نوعية في ثقافته بعد أن تخلى عن فلسفة الميتافيزقيا بفكر العلم والتجربة، وبعد أن كبل هرطقات الكنيسة وقوانينها واستبدلها بأنظمة واقعية حديثة تتلاءم مع طبيعة العصر، وبهذا أضحت هناك قطيعة كاملة وانفصال تام عن جذوره العقدية والثقافية والتي كانت سائدة في العصور الماضية.

التجربة الأخرى هي التجربة الصينية، وهي تجربة عريقة زمنيا تمتد إلى آلاف السنين، بيد أن بروزها بهذه الصورة الندية للتجربة الغربية كان في آخر عشرين عاما بعد أن أحدثت بكين معجزتها الاقتصادية الحالية، وبالتالي هي تجربة قديمة وحديثة في نفس الوقت لو صح التعبير، فهي حضارة ممتدة ومتصلة زمنيا، وهي اليوم تحمل لواء الثقافة الشرقية في مواجهة ثقافة الغرب، وحتى نفهمها لا بد من التعرض للكونفوشوسية.

يعد كونفوشيوس الأب الروحي للثقافة الصينية، عاش هذا الحكيم قبل 2500 عام، وضع فلسفته الاجتماعية على صيغة أقوال وحكم، ولا تزال فلسفته مهيمنة على السلوك والثقافة الصينية حتى الآن، وتعد الثقافة الكونفوشيوسية ثقافة عادات اجتماعية وثقافية أكثر من كونها تعاليم دينية، وتعتبر السياسة هي نشاط اجتماعي وليس فيه مصلحة منفعية مثل الحالة الغربية، وقد نجحت الكونفوشيوسة أن تشكل نقطة توازن زمني بين الماضي والمستقبل، فهي اعتزاز وفخر بالعادات الصينية القديمة وهي أيضا نظرة تقدمية نحو العلم والريادة تجاه المستقبل.

كثير من المفكرين العرب تأثروا بالنظرة الغربية وطالبوا بإحداث قطيعة مع التراث الإسلامي والعربي، واعتبروا أن حل أزمة العقل العربي هي الأخذ بمسببات الغرب والنظر نحو المستقبل فقط، وقد ظلوا بفكرهم هذا خارج سياق التأثير نظرا لارتباط العقل العربي بموروثه كمصدر تشريع ديني ومصدر للاعتزاز الاجتماعي والتاريخي، بالإضافة إلى أن الخطاب الدعوي قد أسهم أيضا في إبعاد هذا التيار عن التأثير، وتمكن من إلحاق وصف الليبرالي والعلماني والحداثي كنوع من الشتيمة!!

وفي الختام، الاستفادة العربية من التجربتين الغربية والصينية أمر ممكن، فلدى الغرب ثقافة عريقة في الفكر والفلسفة والريادة في كافة العلوم والمعارف، ولدى الصين ثقافة التطور والنماء دون إحداث قطيعة مع التراث والماضي، بالإضافة إلى الاعتزاز بالثقافة والهوية دون الرضوخ للهويات الأجنبية والتي تتناقض مع أبجديات حضارتنا.

albakry1814 @