هتون أجواد الفاسي

من زوايا «الخبر» الجميلة

الثلاثاء - 13 يونيو 2023

Tue - 13 Jun 2023

كان المرور على المنطقة الشرقية السريع حافلا بالتفاصيل الجميلة والتجارب الخاصة التي شاركتها مع ابنتي زين الشرف، فكانت تتلقفها بكل لهفة وسعادة وتساؤلات لا تنتهي، «لماذا ولماذا ولماذا؟».

كان الجلوس على ساحل الخبر على مشارف جسر البحرين، وعلى أحد ألسنته المدفونة بامتداد متكرر مع صفين من نخيل الدوم عند الغروب خلابا.

جعلني أتأمل في هذه الإضافة لأمانة بلدية الدمام والخبر التي شكلت بهذه المدفونات مساحات واسعة للمصطافين الاستمتاع بالبحر، حيث يقوم التصميم على دفن لسان في البحر بمسافة كيلو على ما أعتقد، بخط أسفلتي واحد محفوف بالنخيل، ويخرج على مساحات ترابية توصل إلى أقرب نقاط للبحر من كافة جهات اللسان المرفوع بحجارة مصفوفة. وتسمح هذه المساحة لعدد كبير من الأشخاص والعائلات الاستمتاع بالقرب من البحر دون حواجز، وبعض هذه الألسنة التي تتكرر على مسافة طويلة، تتوسطها فنادق ومطاعم مشكلة سلسلة من الخدمات متعددة المستويات ومرسى قوارب صغيرة للتأجير.

ما لفت نظرنا كأحد معالم الخبر اللطيفة كانت دواراتها أو ميادينها التي كانت تتميز بالتصميمات الفنية الإبداعية تتنافس فيما بينها بعد منحها لتجار المنطقة الشرقية يقررون بخصوصها أفضل التشكيلات والمجسمات التي ترافق إضافة اسمهم إليها، وهو موقف ذكي من قبل الأمانة حيث تستدعي مساهمة كبار تجار المنطقة من خلال مسؤوليتهم الاجتماعية لتحسين البيئة الحضرية والبصرية للمدينة بأقل التكاليف وأيضا بإدماج السكان في مسؤوليتهم تجاه مدينتهم.

وتكررت اللفتات الجمالية مع المحافظة على جزء من البحر بعد ردم رصيف وشارع ليقطعه بحيث تتشكل مساحات مياه على جانبي طريق الكورنيش الجديد فضلا عن الأعمال الفنية التي تقام داخل هذه البحيرات الداخلية والاستفادة من الإضاءة الفنية لجوانبها ليلا.

وتجربة جميلة أخرى كانت في أحد مطاعم الخبر القريبة من الكورنيش التي استقبلنا فيها شباب من المنطقة يعرفون بأنفسهم باسمهم الكامل بكل اعتزاز ويقدمون الطلبات بكل احترام ومهنية كانت ملفتة ومثلجة للصدر، فضلا عن الأطباق التي كانت استثنائية.

وفي إحدى المراكز المفتوحة بشكل هندسي جميل وبعد غداء لطيف تجولنا فيه (بافيليون الخبر) فلفت نظرنا أكثر من شيء، أولا الاستفادة من الأشجار المحلية في تشجير المساحات المفتوحة بشكل متقن يعطي إحساسا بيتوتيا مؤنسا. والثاني كان المصلى النسائي الذي كان من أجمل المصليات التي رأيتها رغم أنه مجرد غرفة واحدة متوسطة الحجم، في الدور الثاني، منعشة البرودة، بواجهة قبلية زجاجية بالكامل تفتح من وراء الزجاج على درابزين بلكونة زجاجية بدورها بحيث لا تحجز أي رؤية، والأرضية مقسمة بين الموكيت الأبيض وخطوط من السيراميك الرمادية التي تقسم الصفوف طوليا بشكل بسيط وفعال. كان عطر المصلى عبير نظافة خفيف، والباب يمكن دفعه بالقدم دون لمس أي شيء. أعتقد أن هذه التصاميم الحديثة بحاجة لأن تستنسخ وتغنينا عن مصليات النساء المقصاة أو المهملة.

أما الملاحظة الثالثة فقد كانت تتصل بإحدى المقاهي الذي لفت أنظارنا بجمال تصميمه من الخارج، فواجهته الزجاجية تطل على سيب في الدور الثاني قام أصحاب المقهى بتحويل كامله إلى لوحة جدارية بديعة الألوان.

لكن المقهى كان مهجورا.. مغبر الأرضية رغم أن طاولاته تبدو وكأنها جاهزة لاستقبال الزبائن، وبدفعة بسيطة وجدنا أن الباب الزجاجي مفتوحا ويبدو وكأن أصحاب المكان كانوا يتناولون آخر أكواب قهوتهم ويعزفون آخر موسيقاهم وتركوا كل شيء كما هو.

في الداخل تبدو قاعة بها آلات موسيقية وعلى يمين الداخل ثلاجة عصائر وماء ما زالت عبواتها بها، والكاونتر تعلوه عقود من الصور المعلقة لضيوف أو زبائن مروا على المكان، وخلف الكاونتر سبورة رمادية مكتوب عليها قائمة المشروبات لذلك اليوم الأخير بالطبشور، بينما كان تصميم الكراسي والطاولات والأرضية والجدران أنيقا بسيطا.

اتضح أن المقهى كان مكان عمل واجتماع وفن ولقاء، فضلا عن تقديم دروس في تعليم الموسيقى والرسم. كل شيء ينبئ عن أيام زاهرة وذوق رفيع لم نفهم ماذا جرى بشأنهم. فالتقطت صورة لاسم المقهى الذي اتضح أنه عمل تعاوني (منصة تعاون أو تعاون-هب)، ومضينا إلى المحلات المجاورة نسأل عنه. فأخبرتنا صاحبة محل في الجوار أنه كان لمجموعة من الشباب الذين لم يتمكنوا من تسديد أقساط إيجار المحل رغم أنه كان مزدحما ليل نهار. فتعجبت وأنا أتساءل عن دور التكافل الاقتصادي، إن صح التعبير، مع المشاريع الناشئة لشبابنا الطموح، وموقع الجهات الرسمية والمدنية في دعم وتشجيع هذه المنشآت.

آمل أن يجد هذا المشروع فرصة أخرى لتعود له الحياة.

والرحلة بعد لم تنته.