شاهر النهاري

قرود القمم وقروش القيعان

الاثنين - 12 يونيو 2023

Mon - 12 Jun 2023

كلما استحدثت تطورات وتمدد عمران، حدث الجور على بيئة الأودية والجبال ومنابت الأشجار والأعشاب، وشواطئ البحار والصحاري، وتبدلت صور الحياة البيئية الطبيعية.

وكلما احتل وزاحم البشر مناطق بيئة وعيش المخلوقات البرية والبحرية، تعاظمت الخطورة على حياة بشر يستبيحون ذلك عنوة بالسكنى والسياحة والرياضة والتسلق والصيد في بيئة لم تكن لهم في السابق.

قرود البابون فوق سلاسل جبال السروات نعمة على الطبيعة، غير أنها هجرت من بيئتها، التي اخترقها الأسفلت، وأزيلت غابات العرعر فيها، وجرف ما كان ينمو حولها من نباتات وثمار وأعشاب طبيعية، وحولت منابع المياه في جبالها الممطرة إلى كتل خرسانية، تجبر القرود للخروج من بيئتها الأزلية إلى أرصفة الشوارع، وسقوف المنازل، وكم من حكايات تعديات على البشر ومحتويات منازلهم، مهما حاولوا حمايتها بالسياج والكهرباء، ومهما استخدموا الطلقات النارية.

أخطار تحدث لسياح يجهلون ويتمادون ويضايقون القرود، ويقذفون عليها الحجارة، وهي ترد عليهم بالمثل.

البلديات بتصرفات وقتية حاولت إخصاء القرود، والحد من أعدادها وحبسها في حدائق الحيوان، والقرود تزداد خبثا وشراسة، كلما زاد التعدي على بيئاتها، والجوع والعطش يذبحها، وما يقدمه لها السياح من أطعمة تغير طابعها، ولا تناسب جيناتها وطبيعتها، ما يصيبها بأمراض لم تعرفها في السابق، وما يزيد من توحشها.

الشواطئ الطبيعية وقيعان البحار يتم التعدي عليها بالخرسانات، ووقود وضوضاء السفن، والصيد الجائر، وأضرار ما يكب فيها من مخلفات الإنسان وسمومه، وكثير من مخلوقات البحار تنفق، وتنقرض، والبقية تضطر لمغادرة بيئتها العميقة، وما هجمات أسماك القرش، التي تحدث على شواطئ منتجعات مصر السياحية، إلا دليل على تكرر التعديات الواضحة على بيئة كانت تنعم بها كائنات البحار، قبل تمادي البشر، ولعلها تكون أجراس إنذار لمن يخططون ويرعون شواطئنا بأن البيئة الطبيعية أولوية وطريق أمثل لحفظ حقوق البيئة والإبقاء على سكنى الحيوانات وطعامها الأصلي.

الصحاري أيضا غدت جرداء قاحلة تفتقد الكائنات البرية والتنوع البيئي الحميد، جراء إطلاق أيدي البشر العابثين يفتعلون بها العجب، ويساعدون على فناء الطير والحيوانات والزواحف حينما يواجهونها بالنار والغازات القاتلة والأشراك.

وحمدا لله أن تم حمايتها مؤخرا بقوانين وغرامات حكومية تحد من جرم التعدي، وتحدد مناطق وأوقات الصيد المتوازن.

التعدي على صور البيئة المختلفة يخلق التعدي المقابل، والحيوانات لا تمتلك العقل، ولا القدرة على سن القوانين، فهي مسيرة بغرائزها، وبما تقتضيه طبيعتها الحيوانية، فإن وجدت بيئتها المحمية الخالية من التعديات، فلن تخرج منها، ولن تتهجم على البشر، وستستمر نعمة للأرض والبحر والفضاء، وعلامة خير تدلنا على أخلاق التعايش مع البيئة، وتجريم سلخ ثيابها، التي سترت كائناتها طوال العصور الماضية، وأبعدتها عن أذية الإنسان، ومواجهة الفناء.

تمرد قرود قمم السروات وهجمات قرش القيعان أدلة واضحة على تحولات عظيمة في أسس البيئة، كون حيواناتها البريئة أصبحت تشرب المشروبات الغازية، وتلتهم كيميائيات الاستمطار، وتعاني من تجريف التربة، وتأكل مخلفات الإنسان، وأكياس البلاستيك، والصبغات والمواد الحافظة والمسرطنات ما يخرجها من جمالية طبيعتها، ويصنع منها كائنات قلقة، مريضة، متوحشة، مضطرة تحاول التصرف حيال معضلات ضيق وخوف وصراع بقاء أقحمناه في حياتها وبيئتها، التي سرقناها عنوة منها.

shaheralnahari@