عبدالحليم البراك

برنامج حماية المشتكي والشاهد!

الاثنين - 12 يونيو 2023

Mon - 12 Jun 2023

في ظل الخطوات العظيمة التي تشهدها المملكة، فإن النقلات النوعية الحالية مواتية بشكل جاد وفاعل لإنشاء برنامج لحماية المشتكي والشاهد، وتبدأ هذه الرحلة من رغبة المشرع في قطع الطريق على المشتكى عليه أو أحد الأطراف الضالعين في تجاوز ما، من إيذاء أي شخص بشكل مباشر أو غير مباشر نتيجة شكواه التي تخصه أو نتيجة شهادته في أي حادثة، والمؤكد أن بعض المشتكين يتنازلون عن حقوقهم بسبب خوفهم من أن يتم التعرض لهم جسديا أو وظيفيا، أو التعرض لأبنائه أو أقاربه، أو أن بعض الشهود من الضالعين في العمل أو غير ضالعين فيه أطلعوا على حقيقة ما، يمنعهم الخوف من هذه الأشياء الإدلاء بها.

تبدأ القصة من أن برنامج حماية الشهود في الدول الغربية بدأ في وقت كان أصحاب الجرائم - خاصة المافيا - يصفون كل ما يحاول أن يكون سببا في إيذائهم بأكبر أدوات الرعب حتى لا يفكر الشاهد بالإدلاء بأي معلومة عنهم، فنشأ برنامج حماية الشهود والذي يهدف لحماية سلامتهم الجسدية والمهنية ومستقبلهم المالي من الضياع بسبب التعسف الحاصل، ثم جرى التوسع فيه ليشمل كل القضايا، أما برامج الاعتماد المؤسسية للمنشآت ذات الطابع الإداري أو جزء منه، فإنها تشترط حماية المشتكي من المشتكى منه، وضمان عدم تعرضه للتعسف أو الإيذاء سواء في وظيفته أو دخله.

تهدف هذه البرامج في مجملها إلى تشجيع الشفافية وأن يكون أعضاء المجتمع شركاء في المسؤولية في حماية المجتمع من قوى الاعتداء التي تمارس سلطتها على الناس بطريقة تعسفية.

تكمن الحاجة لدينا لهذه البرامج بسبب حجم التحولات الكبيرة التي تشهدها المملكة، مع دخول التقنية وتشعب الاحتياجات وتنوع مصادر الدخل وتزايد حجم الأنشطة والأعمال مما جعل مجتمع الأعمال والإدارة والاقتصاد السعودي كبيرا ومعقدا مما أدى لوجود مناطق ظل؛ يمكن استغلالها من قبل ضعاف النفوس، ولأنهم يدورون في المنطقة المظلمة فلا بد أن يقعوا في الخطأ، ويطلع على ذلك بعض الأطراف، وقد ينتاب بعضهم رغبة في التوبة أو تصحيح مسيرته المهنية الخاطئة، أو أنه حصل على معلومات تفضح الجرائم بطريق الخطأ على سبيل المثال، لكن في ظل الخوف من أحد الأطراف وتعسفه قد يحجم، فلذلك قد يساعد هذا البرنامج في مزيد من الحماية الرسمية والمهنية.

هذا البرنامج بالتأكيد سيكون في المنطقة الوسطى ما بين الشكاوى الكيدية وما بين الإدانات اليقينية، مما يعني أن الأمر يحتاج لقواعد وتشريعات منظمة له، وظهرت في الآونة الأخيرة مقالات تطالب بذلك، وقد يقال إن المملكة لم تصل فيها إلى مستويات الجريمة المنظمة التي تدعو لذلك، لكن - من خلال وجهة نظري - أن يبدأ البرنامج من خطوات حماية المشتكي من المشتكى عليه (المؤسسية والإدارية) أولا، ويتم تطويره لحماية الشهود أيضا، وهذا ما يمسى بالإسقاط من أسفل إلى أعلى، أو العكس بأن يبدأ بحماية الشهود وينتهي بحماية المشتكي، وفي كل الحالات ستكون تجربة رائدة في المملكة لو تمت هذه الخطوة؛ لأنها ستكشف وتشجع عملية شفافية الأعمال، ويشعر كل المارقين عن الأنظمة والقوانين أن ثمة عين أخرى تراقبهم ويمكنها أن تكون عونا عليهم في حال المخالفات والتجاوزات سواء على مستوى التجاوزات المالية أو الأخلاقية أو الجرائم العامة ما دامت تصب في صالح المجتمع فإنها تعتبر تجربة جديرة بالتقدير، خاصة إذ تمت هذه البرامج في ظل سرية تامة وتولت الأمر قيادات حريصة على أن تنجح هذه التجربة على أرض الواقع، وسيكون وقعها سيئا للغاية على أولئك الذين يظنون أنهم قادرون (بقوة سلطة ما في أيديهم سواء كانت سلطة إيذاء أو حتى سلطة إدارية) أن يمنعوا شركاءهم من فضحهم فيكون في هذا البرنامج تفتيت هذه الخلايا من داخلها وخارجها في نفس اللحظة!

Halemalbaarrak@