أحمد صالح حلبي

وزارة النقل.. وطرق الحج

الأحد - 11 يونيو 2023

Sun - 11 Jun 2023

وأنا أقلب صفحات الصحف والمواقع قارئا لأبرز وأهم الأخبار التي تناولتها حول أعمال وخطط القطاعات الحكومية والأهلية خلال موسم حج هذا العام 1444هـ، استوقفني خبر أشار إلى اكتمال «منظومة النقل والخدمات اللوجستية لاستعداداتها وجاهزية خططها التشغيلية وكوادرها الفنية والمتخصصة لخدمة حجاج بيت الله الحرام لهذا العام 1444هـ، والمساهمة في توفير وصول آمن وانسيابي للحجاج في مختلف القطاعات الجوية والبرية والبحرية والسككية منذ وصولهم إلى المملكة ومرورهم بالمشاعر المقدسة وحتى إتمام نسكهم والمغادرة إلى بلدانهم»، فتذكرت ما قرأته عن الطرق التي كان يمر بها قاصدو مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، وعرفت بطرق الحج وهي:

طريق الحج الشامي، وطريق الحج العراقي، وطريق الحج العماني، وطريق الحج المصري، وطريق الحج اليمني، وطريق سبع الملاف، وطريق الحج البصري، ودرب زبيدة ، وتذكرت ما دونه الرحالة والمؤرخون عن مخاطرها التي لم تنحصر في قطاع الطرق ووحوش البر، لكنها تناولت مخاطر الطبيعة ومنها ما ذكره ابن الجوزي عن «تعرض قافلة الحجاج الشامية سنة 692هـ إلى رياح عظيمة وبرد ومطر، وهلك الناس، وحملت الريح أمتعتهم وثيابهم، وحصلت لهم مشقة عظيمة»، كما تذكرت طوال الفترة الزمنية التي كان يقطعها الحاج من بلده حتى يصل إلى مكة المكرمة، والتي لا تقل عن ثلاثة أشهر، كما ذكر ذلك الباحث في التراث الكويتي محمد عبدالهادي جمال في كتابه (الحرف والمهن والأنشطة التجارية القديمة في الكويت)، إذ قال «إن قوافل الحجاج الكويتية كانت تمر في طريقها إلى مكة عبر مناطق عديدة منها «الحفر» و«النصافة» و«الهابة» و«الرطاوية» و«أم الجماجم» و«جبة» و«القصيم».

وقوافل الحجاج المتجهة إلى المدينة المنورة كانت تمر عبر مناطق أخرى وتصل إلى هناك بعد ثلاثة أسابيع تقريبا وفي المدينة المنورة كان الحجاج يمكثون ما بين عشرة أيام إلى أسبوعين يزورون خلالها المسجد النبوي الشريف وقبر الرسول صلى الله عليه وسلم والمساجد التاريخية ثم يتوجهون إلى مكة المكرمة ويصلون إليها بعد فترة قد تمتد ما بين أسبوع إلى 12 يوما من المسير حسب الظروف».

وبين ما دونه ابن الجوزي، وما ذكره الباحث في التراث الكويتي، واللذان يمثلان نماذج مما دون، نقف اليوم على طرق آمنة جهزت بكافة وسائل الأمن والسلامة، وقصرت المسافات بين المدن ومنها طريق المدينة المنورة الذي كان يقطعه الحاج «ما بين أسبوع الى 12 يوما»، فأصبح اليوم يقطعه في أقل من أربع ساعات عبر طريق سريع وبمسافة (397.3) كم.

وإن كان ذلك للطرق الخارجية الرابطة بين مكة المكرمة وبعض المدن، فإن طرق المشاعر المقدسة «عرفات، مزدلفة، منى» لم تكن ببعيدة عن التطوير والتحسين، فقد شهدت العديد من التنظيمات منذ صدور الأمر السامي الكريم عام 1350هـ / 1931م، الصادر بتخطيط عرفات بواسطة طرق مستقيمة تقسمها إلى مربعات ينزل فيها الحجاج بحسب بلادهم أو مطوفيهم، مرورا بطرق وجسور وأنفاق المشاعر المقدسة، التي ربطت كافة مناطق المشاعر المقدسة بشبكة متكاملة من الجسور والأنفاق والطرقات.

كما شهدت وسائل نقل الحجاج تطورات هي الأخرى، فدخل نظام النقل بالرحلات الترددية عام 1416هـ كبديل للنقل التقليدي المعتمد على نظام الردين الذي ظل على مدى أكثر من أربع عقود، منذ تأسيس شركات نقل الحجاج ونشأة النقابة العامة للسيارات عام 1372هـ.

ختاما، إن تطور طرق الحج الذي استغرق الكثير من الوقت والجهد حتى ظهر بما نراه اليوم يمثل مفخرة سعودية علينا الاعتناء بها وإبرازها لضيوف الرحمن ليطلعوا على معاناة النقل في السابق، وما بذلته الدولة من جهود وأنفقته من أموال لتأمين طرق آمنة لضيوف الرحمن، من خلال إقامة معرض خاص بنقل الحجاج يتناول طرق الحج بين الماضي والحاضر، ووسائل النقل التي استخدمها الحجاج في تنقلاتهم بين مدن الحج، مكة المكرمة، المدينة المنورة، جدة، المشاعر المقدسة، وما وصلت إليه اليوم ليتذكر الجميع معاناة الماضي، وسعادة الحاضر.