عبدالمعين عيد الأغا

قروبات «السكري»

الثلاثاء - 06 يونيو 2023

Tue - 06 Jun 2023

لاحظت في الفترة الأخيرة انتشار العديد من قروبات «السكري» في مواقع التواصل الاجتماعي، والتي جمعت مرضى السكري بنوعيه الأول والثاني، وهي حسابات شخصية لبعض الأشخاص قد يكونون من المصابين بداء الحلو، وهدفهم هو تبادل خبراتهم ومعلوماتهم وآرائهم فيما يتعلق بمرض السكري.

بصفتي طبيبا مختصا في داء السكري فإنني لست ضد هذه القروبات ولا أصحابها، إذا كان الهدف هو تبادل المعلومات المتعلقة بالسكري من مصادرها الرسمية والموثقة أو عبر الأطباء المتخصصين أو حسابات جمعيات السكري المنتشرة في بلادنا؛ لأن هذه الجهات رسمية ومواكبة لكل ما يستجد في مجال داء السكري، ولكنني ضد القروبات التي يندفع أصحابها إلى نشر مقاطع لتجارب بعض الأشخاص الوهمية من شأنه تحفيز البعض إلى تطبيق تلك التجارب وخصوصا أن الثقافة الصحية لدى بعض المرضى قد تكون متواضعة ومحدودة، وبالتالي لا يترددون في تنفيذ ما يشاهدونه في المقاطع التي تدعو إلى استخدام بعض الأعشاب أو التركيبات للمحافظة على نسبة سكر الدم في المعدلات الطبيعية.

والواقع أن هذه التجارب التي يبثها البعض في مواقع التواصل الاجتماعي تمثل خطورة كبيرة على مرضى السكري حتى لو شعر أصحابها بانخفاض نسبة السكر، وهو شعور مؤقت سرعان ما يتلاشى، فالأعشاب لا تعتبر علاجا دوائيا لمرضى السكري.

في الحقيقة إن تناول الأعشاب لمواجهة السكري لا يعتبر بديلا عن الأنسولين لمرضى النمط الأول أو الأدوية لمرضى النمط الثاني، وفي كل الأحوال تظل الأدوية القائمة على البراهين العلاج المحدد لهذه الفئة من المرضى، وخلاف ذلك يعتبر اجتهادات شخصية مرفوضة قد تؤدي إلى عواقب وخيمة -لا سمح الله-، وبالفعل هناك حالات تأثرت جدا بعد فترة زمنية من استخدامها للأعشاب وتركها العلاج المحدد، فعادت مرة أخرى من نقطة الصفر، ولا أخفي إن قلت إن مرضى السكري كثيرا ما يقعون ضحايا لهذه التجارب، لكونهم متعلقين بأي أمل ينهيهم من الهم اليومي للأنسولين والأدوية.

وتزداد الخطورة أكثر إذا كان المصاب طفلا، وأستشهد هنا بقصة طفل حديث الإصابة وتم علاجه داخل عيادة طبيب السكري وإعادة نسبة السكري لديه في حدوده الطبيعي، وتحديد نوع العلاج وجرعات الأنسولين، إلا أنه في اليوم التالي راجعت والدته عيادة طبيب السكري، موضحة أن حالة الطفل لم تستقر وارتفع السكر لديه مجددا، واتضح في ما بعد أن الطفل لم يحصل على الجرعات المحددة والموصوفة من قبل الطبيب، بل استمعت الأم إلى نصائح إحدى المشاركات في أحد قروبات داء السكري الذي انتسبت إليه، إذ وجهتها بالجرعات التي وصفت لابنها، وهذا السبب أدى إلى عدم استقرار حالة ابنها المصاب، وهنا تم التوضيح لها أن جرعات السكري ونوعية الأنسولين تختلف من طفل لآخر، فهناك عوامل عديدة يتم من خلالها وصف العلاج لأطفال السكري، وأهم هذه العوامل دراسة حالة الطفل وإجراء التحاليل والفحوصات اللازمة له، وبالتالي فإن عدم التقيد بنصائح الطبيب المعالج يؤدي إلى حدوث ارتفاع نسبة السكر، ويهدم الجهود المبذولة من الفريق الطبي المعالج.

وأخيرا.. لا أقلل من شأن أهمية وجود مثل هذه القروبات التي يتبادل فيها أهالي مرضى السكري تجاربهم وقصصهم، إذ قد تكون إيجابية ومفيدة إذا كانت في إطارها التوعوي الصحي دون التدخل في نوع العلاج أو جرعات الأنسولين، إذ يجب أن تسخر هذه القروبات في جوانبها التوعوية الصحية، وفي أهمية ممارسة الرياضة وقياس نسب السكري وغيرها من المعلومات المفيدة التي تعزز من صحة مريض السكري وليس العكس، فالتدخل العلاجي وتوجيه المرضى بكميات الأنسولين ونوعية العلاجات عبر القروبات يجعل هذه الدردشات خطرة، فتحديد الجرعات ونوعية العلاج من شأن الطبيب المعالج فقط، ويجب أن يتقيد به الجميع.

كما أدعو جميع مرضى السكري بعدم التردد في التواصل مع أطبائهم في حال وجود أي مقاطع تتعلق بمرضى السكري، وعدم الاندفاع إلى تطبيق أي تجارب، فالطبيب المعالج يحمل على عاتقه مسؤولية كبيرة في علاج المرضى وتوعيتهم بما هو صحيح، مع ضرورة الاستفادة من المعلومات التي تنشر في المواقع الرسمية للجهات الطبية المتعلقة بالسكري، لكونها جهات تجمع خبرة الأطباء والطبيبات ومشاركاتهم العلمية بكل مستجدات داء السكري.