الأكثر مراعاة
الثلاثاء - 06 يونيو 2023
Tue - 06 Jun 2023
عندما يولد الأبناء تولد مشاعر جديدة، تصبح لدينا نعم مباركة تتقافز حولنا فنحاول ونحاول أن نحفظ هذه النعم، وأن نؤدي أمانة حملها بكل ما لدينا من معرفة وإمكانات وقدرات، وذلك في عمر ما.. ومرحلة ما.. قد ينقصها النضج والخبرة في التربية.. خاصة لمن أنجب قبل سن العشرين.. نحن لسنا الذي نربي، بل الله هو من يعين، ونظن وقتها أننا خارقون مختلفون، وأن ثمرة الجهد والغرس حتما ستكون مختلفة، الأب بذلك الوجه الصخري والروح المرتهنة بصناعة مستقبل أولاده، والأم بقلبها الغض المتأمل تربي وترشد.
يريد الوالدان نسخة أفضل منهم، ليس بها الهفوات الشخصية ولا تحمل نفس عيوبهم الذاتية بل شخصيات سامقة على المستوى الثقافي والتعليمي وعلى المستوى القيمي والبنائي لتعمر الأرض وتكون خير خلف.
قبل الزواج يكون للأبوين نظريات متعددة للتربية وبعد الزواج يصبح لديهم الأبناء والكثير من النظريات غير المجدية في التربية.
يقولون إن الأم يمكنها أن تعتني بعشرة أطفال، ولكن يعجز الأبناء العشرة أن يعتنوا بها، تنادي الأم لتطلب طلبا.. حتى لو كأس ماء، فيرد أحدهم: لماذا تطلبين مني أنا دون إخوتي؟ أختي هناك.. أخي في غرفته.. لديك الخادمة.. ردود يقف الوالدان أمامها بحيرة وكأن عقارب الزمن قد توقفت، ولا يدري الأبناء أن مكمن النعمة في تلبية الطلب، في الاختيار دونا عن الآخرين، وأن الرضا يطير بأجنحة فرحة لمن يسارع فيكون الأجدر بالاستحقاق، فمن شكر الله ولم يشكر والديه لم يقبل منه.. «أن أشكر لي ولوالديك إلي المصير».
بعدها يكبر الأولاد لتبدأ مسيرة حياتهم العملية والأسرية، وتغلب بعدها على اللقاءات معهم.. الشكوى من جبال التعب وحجم الهموم وانخفاض الآمال. وأن المسؤوليات كثيرة والظروف صعبة، هم مشغولون على الدوام بلقمة العيش، وليس بينهم من يمتلك الوقت لهذا وذاك، أولادنا مشغولون بكونهم مشغولين، عندما يصبح لقاء الوالدين أقل أهمية والأعذار كثيرة والأولويات تحارب المسارات والوقت عزيز.
ولنناقش الأمر من زاوية أخرى لمعرفة على من تقع مسؤولية هذا النوع من العلاقة الطردية التي ينقص أحد المتغيرين بزيادة الآخر.. فالانشغال من قبل الأبناء سيظل قائما.. والاحتياج لهم من قبل الآباء حتى لو عاطفيا في ازدياد.. فلا الأم ستشبع من الأحضان ولا الأب سيكل من الاهتمام، وعلى افتراض أن العلاقة سوية لا ينتهك فيها طرف نضج الآخر ولا ينكر تنامي احتياجاته وتغير متطلباته.. وبالتالي يفترض ألا تستنزف العلاقة بالابتزاز العاطفي، فهناك من الآباء من يبتز عياله عاطفيا ويصمهم بالعقوق وعدم البر بل ويتجاوز ليدعو عليهم لمجرد الانشغال عنه لفترة.
وأرى أن على الوالدين أن يهبا أولادهم المساحة المناسبة ليقوموا بمسؤولياتهم على مستوى أعمالهم وأسرهم الصغيرة، دون أن يتراكم اللوم ويتكرر العتاب لدرجة تجبر الأبناء على تفضيل الابتعاد والتنصل أو تحميل المسؤولية للآخر.
في كل مرة يحادثك فيها ابنك أو ابنتك، عبر عن الشوق بالدعاء.. بادر ولا تنتظر منهم شيئا.. أو لسنا والدين؟ أو ليست الجنة تحت أقدام الأمهات؟ فأعينوا أولادكم على بركم. وليتذكر الأبناء أنهم سواسية عند الوالدين، لا وجود لمحبة أحد الأبناء أكثر من الآخر، الأمر ليس مرتبطا بالمحبة، إنما بالأكثر مراعاة واهتماما، وقد يحفز الابن والديه على تفضيله بخفض جناحه لهما، ولين المعاملة، والتمكين من الاعتماد عليه في أمور تسند له من بين إخوته أو أخواته، وعلى قدر الخصائص التي يتمتع بها كل ابن أو ابنة، يرى الوالدان من الأقدر على تلبية احتياجاتهما، وعلى قدر المبادرة يكون الدعاء وتكون البركة، فلا يعدل بر الوالدين حج ولا جهاد، ولا صدقة.
يلخص ديننا برور الوالدين بالإحسان وهو أعلى مراتب التعامل مع الوالدين، فمن أكرم والديه سيسر بأولاده، والوصية بالوالدين تتضمن الامتناع عن التباسط في أساليب المخاطبة مثل التأفف والنهر واستبدالهما بالقول الكريم وخفض الجناح من الرحمة.
يتكلم الحكيم كونفوشيوس عن ثلاث درجات لبر الأبناء بوالديهم، أو ما يسمى بالصلاح Filial Piety: الأعلى من الدرجات هو أن تكون نعمة في حياتهم، والثانية ألا تخزيهم، والثالثة هي القدرة على إعالتهم.
أي أن تترجم المحبة بالرعاية والاحترام وتقديم ما يسعدهم.
وقد كان يقال «إن للأم ثلاثة أرباع البر»، وقال عروة بن الزبير: «ما بر والديه من أحد النظر إليهما».
يذكر أن إيجاب الحجة على الوالدين في النقاش ويعني الانتصار عليهما في الكلام يعتبر عقوقا.. فما بالكم بباقي السلوكيات القائمة معهما.. ففي كل ما سبق لنسأل أنفسنا هل نوفي حق والدينا باليسير الذي نفعل؟ وهل سنوفيهم ولو بالقليل وهم أحياء؟ وهل سنفعل بعد أن تنتقل أرواحهم للسماء؟ فبر الوالدين لا ينقطع أجره عنهم أحياء وأموات.. فليراجع كل منا نفسه.
جزى الله والدينا عنا كل خير وأحسن اليهم كما أحسنوا إلينا.
smileofswords@
يريد الوالدان نسخة أفضل منهم، ليس بها الهفوات الشخصية ولا تحمل نفس عيوبهم الذاتية بل شخصيات سامقة على المستوى الثقافي والتعليمي وعلى المستوى القيمي والبنائي لتعمر الأرض وتكون خير خلف.
قبل الزواج يكون للأبوين نظريات متعددة للتربية وبعد الزواج يصبح لديهم الأبناء والكثير من النظريات غير المجدية في التربية.
يقولون إن الأم يمكنها أن تعتني بعشرة أطفال، ولكن يعجز الأبناء العشرة أن يعتنوا بها، تنادي الأم لتطلب طلبا.. حتى لو كأس ماء، فيرد أحدهم: لماذا تطلبين مني أنا دون إخوتي؟ أختي هناك.. أخي في غرفته.. لديك الخادمة.. ردود يقف الوالدان أمامها بحيرة وكأن عقارب الزمن قد توقفت، ولا يدري الأبناء أن مكمن النعمة في تلبية الطلب، في الاختيار دونا عن الآخرين، وأن الرضا يطير بأجنحة فرحة لمن يسارع فيكون الأجدر بالاستحقاق، فمن شكر الله ولم يشكر والديه لم يقبل منه.. «أن أشكر لي ولوالديك إلي المصير».
بعدها يكبر الأولاد لتبدأ مسيرة حياتهم العملية والأسرية، وتغلب بعدها على اللقاءات معهم.. الشكوى من جبال التعب وحجم الهموم وانخفاض الآمال. وأن المسؤوليات كثيرة والظروف صعبة، هم مشغولون على الدوام بلقمة العيش، وليس بينهم من يمتلك الوقت لهذا وذاك، أولادنا مشغولون بكونهم مشغولين، عندما يصبح لقاء الوالدين أقل أهمية والأعذار كثيرة والأولويات تحارب المسارات والوقت عزيز.
ولنناقش الأمر من زاوية أخرى لمعرفة على من تقع مسؤولية هذا النوع من العلاقة الطردية التي ينقص أحد المتغيرين بزيادة الآخر.. فالانشغال من قبل الأبناء سيظل قائما.. والاحتياج لهم من قبل الآباء حتى لو عاطفيا في ازدياد.. فلا الأم ستشبع من الأحضان ولا الأب سيكل من الاهتمام، وعلى افتراض أن العلاقة سوية لا ينتهك فيها طرف نضج الآخر ولا ينكر تنامي احتياجاته وتغير متطلباته.. وبالتالي يفترض ألا تستنزف العلاقة بالابتزاز العاطفي، فهناك من الآباء من يبتز عياله عاطفيا ويصمهم بالعقوق وعدم البر بل ويتجاوز ليدعو عليهم لمجرد الانشغال عنه لفترة.
وأرى أن على الوالدين أن يهبا أولادهم المساحة المناسبة ليقوموا بمسؤولياتهم على مستوى أعمالهم وأسرهم الصغيرة، دون أن يتراكم اللوم ويتكرر العتاب لدرجة تجبر الأبناء على تفضيل الابتعاد والتنصل أو تحميل المسؤولية للآخر.
في كل مرة يحادثك فيها ابنك أو ابنتك، عبر عن الشوق بالدعاء.. بادر ولا تنتظر منهم شيئا.. أو لسنا والدين؟ أو ليست الجنة تحت أقدام الأمهات؟ فأعينوا أولادكم على بركم. وليتذكر الأبناء أنهم سواسية عند الوالدين، لا وجود لمحبة أحد الأبناء أكثر من الآخر، الأمر ليس مرتبطا بالمحبة، إنما بالأكثر مراعاة واهتماما، وقد يحفز الابن والديه على تفضيله بخفض جناحه لهما، ولين المعاملة، والتمكين من الاعتماد عليه في أمور تسند له من بين إخوته أو أخواته، وعلى قدر الخصائص التي يتمتع بها كل ابن أو ابنة، يرى الوالدان من الأقدر على تلبية احتياجاتهما، وعلى قدر المبادرة يكون الدعاء وتكون البركة، فلا يعدل بر الوالدين حج ولا جهاد، ولا صدقة.
يلخص ديننا برور الوالدين بالإحسان وهو أعلى مراتب التعامل مع الوالدين، فمن أكرم والديه سيسر بأولاده، والوصية بالوالدين تتضمن الامتناع عن التباسط في أساليب المخاطبة مثل التأفف والنهر واستبدالهما بالقول الكريم وخفض الجناح من الرحمة.
يتكلم الحكيم كونفوشيوس عن ثلاث درجات لبر الأبناء بوالديهم، أو ما يسمى بالصلاح Filial Piety: الأعلى من الدرجات هو أن تكون نعمة في حياتهم، والثانية ألا تخزيهم، والثالثة هي القدرة على إعالتهم.
أي أن تترجم المحبة بالرعاية والاحترام وتقديم ما يسعدهم.
وقد كان يقال «إن للأم ثلاثة أرباع البر»، وقال عروة بن الزبير: «ما بر والديه من أحد النظر إليهما».
يذكر أن إيجاب الحجة على الوالدين في النقاش ويعني الانتصار عليهما في الكلام يعتبر عقوقا.. فما بالكم بباقي السلوكيات القائمة معهما.. ففي كل ما سبق لنسأل أنفسنا هل نوفي حق والدينا باليسير الذي نفعل؟ وهل سنوفيهم ولو بالقليل وهم أحياء؟ وهل سنفعل بعد أن تنتقل أرواحهم للسماء؟ فبر الوالدين لا ينقطع أجره عنهم أحياء وأموات.. فليراجع كل منا نفسه.
جزى الله والدينا عنا كل خير وأحسن اليهم كما أحسنوا إلينا.
smileofswords@