خالد العويجان

السعودية من الداخل.. في مراحل

السبت - 03 يونيو 2023

Sat - 03 Jun 2023

الحالة العامة التي تعيشها المملكة؛ على الأقل خلال السنوات القليلة الماضية، لم تكن نتيجة هوية مترفة، أو مرفهة إلى أقصى درجة.

فبعيدا عن الامتداد التاريخي والسياسي والاجتماعي، لم يستفق صانع القرار السعودي - وأعني هنا الملك وولي العهد - ذات يوم، ليتخذ قرار كتابة عنوان عريض للدولة العصرية.

لا بل كان للتجربة النمطية للدولة، الدور الكبير في اتخاذ قرار رسم خارطة طريق للبلاد، بسياستها، واقتصادها، ومجتمعها الحديث.

وقبل كل شيء؛ على ذكر المجتمع، يجب القول من البداية، إن الارتباط الاجتماعي بين الدولة والإنسان، كان محورا وعاملا أساسيا، لاستقرار سياسي وثبات، عاشته المملكة لأكثر من مائة عام على أقل تقدير.

أقصد، أن الشخصية السعودية شكلت حالة كبرى من الأمن والسلم الاجتماعي إلى جانب الدولة، وهذا نوع من أنواع مشاركة بناء هذا الكيان الكبير.

صحيح أنه بالنظر إلى الصورة العامة للمملكة، خلال أربعين عاما -إن لم تكن أكثر- سيجد المراقب بعض أشكال من التموج والتشكلات التي فرضتها الظروف التاريخية.

ففي حقبة الثمانينيات الميلادية، وحتى الفترة التي تلتها، تسيد خطاب ديني أقل ما يقال عنه أنه متشدد. عمل وقتها التيار «المتطرف» على وضع مفهوم الوطن آخر قوائم الاهتمام، له ولجمهوره العريض، وانتقلت بعد ذلك «تكتكيات» تلك «المنهجية» التي تمترست وراء «الدين»، إلى الكشف عن خطط مستقبلية، اتضح أنها سياسية، استخدمت الدين لتمرير أكبر قدر من أفكارها، عبر مخاطبة العقل الجمعي للمجتمعات المحافظة، كالمتجمع السعودي، وانجلى مع الوقت فكرة «الحزبية السياسية»، التي كان يمثلها «الإخوان المسلمون» في السعودية، ورموزها المقبور ارثهم وذكرهم.

كانت تلك الزمرة تتمتع بذكاء خارق، إذ وضعت هدفا بالضرورة أن يصل إلى «تفتيت» الجبهة الداخلية، بالعاطفة الدينية، لجذب أكبر قدر من البشر، للاصطفاف في طوابير ذلك المشروع «المقيت».

وهذا حدث تحت نظر الدولة، لكنها أخذت الأمر بمنطلق الحلم، والهدوء، والتروي، إلى أن يثبت الخطر.

مع الوقت والسنين، حدث ما كان يتوقعه البعض، ويغفل عنه الكثير، لقد اتضح وانكشف السموم، وسقطت الأقنعة، واقتيدت الزمرة إلى «السجون» وهو موضعها الطبيعي.

تشكل بعد ذلك فراغ هذه الفئة، وهي التي جيشت الرأي العام السعودي، بل وحتى الخليجي، ووضعته تحت عباءتها، في مدة لا يمكن الاستهانة بها، وتلك فرصة ذهبية -أقصد فرصة الفراغ- انقسمت على اثنين.

الأول: مخلفات تلك الشريحة -وهؤلاء كثر- مما يصح تسميتهم «فروخ التيار الديني». والثاني: من يغرفون بـ»مشاهير السوشال ميديا».

كيف؟ سأشرح ذلك.. لعب ذلك التيار على محور «إما نكون أو لا نكون». بمعنى، أنه حتى في غيابه واندثاره، لا يجب تعبئة فراغه في المجتمع بجبهة داخلية تلتئم تحت عنوان «الوطنية» الكبير.

أي أن تفريغ المجتمع من مضمونة الوطني كان هدفا مدسوسا لذلك المشروع.

ونظرا للتسطيح المتعمد الذي تمت ممارسته بحق الشارع السعودي، أخذ بعض السذج والبسطاء، بالتموضع بمحل ذلك التيار «وهذا ربما يكون إفرازا طبيعيا ناتجا عن ثورة التواصل الاجتماعي التي تصدر الغث والسمين»، ليصار إلى القول إن هذه حقيقة ذلك المجتمع.

لكن في الحقيقة يجب اعتبار أن هناك في مقابل ذلك، جبهة داخلية موجودة بالفعل في أوساط الرأي العام السعودي تتمتع بقدر كبير من الوعي، وهذا لا يمكن إنكاره، لكن السؤال؛ من يمكنه تحريك والسيطرة على تلك الجبهة؟ لا أحد.

وكيف يتم صناعة الخطوط العريضة لتلك الجبهة؟ لا أعلم.

قد يقول قائل إن هذا دور من المفترض أن يكون مناط بالإعلام، وأقول صحيح، لكن «الإعلام» يعاني من جروحه الدامية، ومنشغل في لقمة عيش أبنائه. إذن ما الحلول؟

أتصور أن أمرا كالمحافظة على جبهة داخلية متماسكة، وقبل ذلك خلق مفهوم عام تتفهمه جميع شرائح المجتمع، هو دور يجب أن تقوم به مؤسسات الدولة، ابتداء من التعليم، وصولا إلى صناع الرأي والفكر ممن لهم يد في التأثير على المتلقي.

إن الحالة الوطنية المتلاحمة التي تعيشها المملكة، هي حتما مضرب مثل للقاصي والداني، إنما الاستمرارية في هذا النمط بحاجة إلى إعادة نظر، على الأقل لمنع أي اختراقات قد تحدث، حتى ولو بحسن نية.

فالسعودية في وقتنا هذا، باتت حالة فريدة، أصبحت صورة بالألوان العصرية ليست بالأبيض والأسود.

السرعة والانضباطية عنوانها الجديد، هذا بدون أدنى شك، واضح للخارج قبل الداخل، ومن يرى عكس ذلك.. فليذهب للعيادة.