هتون أجواد الفاسي

كيف يمكن لطرقنا أن تحسن جودة حياتنا؟

الاثنين - 29 مايو 2023

Mon - 29 May 2023

لا يمكن لمن يعيش في الرياض ألا يكون جزء كبير من حديثه يدور فضلا عن حياته حول المرور وقضايا المرور وكم استغرقت هذه الرحلة وذلك المشوار اليوم وكل يوم.

استضافت القناة الأولى الأسبوع الماضي في برنامج الإعلامي القدير خالد العقيلي (الشارع السعودي) موضوعا حيويا لامس معاناة الناس عن المرور وهمومه وحلوله تم فيه استضافة كل من المهندس المروري بدر العيادة، والكاتب الصحفي عبدالرحمن المرشد، والمهندس المدني عبدالعزيز السحيباني، والذين أعطوا كثيرا من التصورات المعقولة فيما يخص تشخيص المشكلة وإيجاد حلول لها.

المشكلة المتفق عليها من الضيوف وتقرير البرنامج وأفراد من الشارع السعودي وكل المشاهدين والمستخدمين لشوارع الرياض، هي أن الرياض تعيش حالة من الازدحام غير المحتمل، والتي أصبحت تؤثر على جودة الحياة، حيث إن أي زائر أو مقيم لا يمكن إلا أن يمر بشوارع مزدحمة ولفترات طويلة في أي وقت من النهار أو الليل وفي كافة الشوارع تقريبا بما فيها الطرق الدائرية التي من المفترض اللجوء إليها لتفادي قطع شوارع المدينة، لكنها لم تسلم وأصبحت مثلها مثل أي طريق آخر.

لم يقدم البرنامج أي إحصائية للزمن المستغرق على هذه الطرق للشخص الواحد أو الساعات المهدرة على الطريق إلا من سؤال أحد الضيوف عن الوقت الذي استغرقه للوصول للاستديو والذي بلغ ساعة ونصف على الرغم من أن الوقت لم يكن ذروة. لكن في حالة الرياض فإن الذروة هي فترة مستمرة طيلة ساعات النهار صباحا وعصرا ومساء بشكل يستدعي الدراسة المتعمقة والبحث عن حلول جذرية تنقذ الرياض من هذه الدوامة التي صارت تثني الناس عن الخروج أو أداء مشاوريهم والتحايل على الوقت والطرق وباللجوء إلى خرائط قوقل حتى تنقذنا من المسار الأحمر.

المشكلة هي تراكم أخطاء وأحيانا النجاة من العقاب، سواء في إدارة المرور أو هندسة الطرق أو التخطيط أو التشغيل أو في سلوك قيادة الناس للسيارات أو في القوانين التي تحافظ على سلامة السير وتضبط الفوضى، أو في رفع عدد سكان المدينة قبل تجهيز بنيتها التحتية لهم (يبلغ عدد سكان الرياض اليوم حوالي 8 ملايين نسمة، في حين أن التخطيط الأصلي للمدينة كان لمليوني نسمة)، وأخيرا في تأخر تشغيل مشروع الملك عبدالعزيز للنقل العام الذي انطلق عام 2013 (والذي كان من المخطط بدء تشغيل المرحلة الأولى له (المترو) في شهر مارس 2023، على أن يكتمل المشروع بحلول نهاية العام وفق تصريح فهد الرشيد الرئيس التنفيذي السابق للهيئة الملكية لمدينة الرياض).

الآثار المترتبة على حالة الازدحام كثيرة ومتشعبة ولعل أبرزها أنها تنفي حالة جودة الحياة، وتستنزف الوقت الذي تعني كل دقيقة منه في عصرنا الحديث خسارة مادية ومعنوية وصحية.

كما تستنزف الصحة والأعصاب وترفع الضغط والسكر حتى لمن ليس لديه ضغط وسكر. فضلا عن التلوث الذي يجعل الرياض في الدرجة 4 من درجات نقاء الجو والقريبة من مرحلة الخطر وهي 5.

وما التلوث إلا نتاج وقوف السيارات بعوادمها لفترات طويلة في مسارات تتحرك بقيد الأنملة على الطرق السريعة أو أمام إشارات مرور لا تستجيب للكثافة التي تقف وراءها.

المشكلات كثيرة جدا والأمثلة أكثر لسوء التخطيط والتشغيل وسوء القيادة وضبطها القانوني، على سبيل المثال، إنشاء طرق سريعة بجسور وأنفاق في جزء من الطريق ثم يتوقف في المنتصف ليتحول إلى إشارات مرورية مثل عثمان بن عفان، أو مخارج محدودة أو ضيقة بمسار واحد نجدها متكررة على طريق «أبو بكر»، أو قطع للطرق الانسيابية بشكل يجعل الرأس يستدير مثل طريق الأمير محمد بن سلمان مع «أبو بكر»، وقريبا سيتحول لتقاطع إشارة مع الملك عبدالعزيز.

قطع الأحياء عن بعضها البعض نجده يتكرر بشكل مثبط، وسد المخارج أيضا يعيق الحركة ويركز الازدحام عند نقطة واحدة مثل مخرج الملك عبدالعزيز إلى الأمير محمد بن سلمان شرقا، حيث أغلقت كل المنافذ الموازية للطريق.

واحدة من أكثر المشكلات تكرارا إطالة المسافات من خلال الاستدارات عند اليوترن على بعد مسافة بعيدة من الطريق المستهدف بالتحويل، أو الإشارات المتكررة يمنة ويسرة على طريق الملك عبدالعزيز أو الإمام دون تطبيق الإشارات الذكية، مما يعني وقتا إضافيا مستقطعا ووقودا إضافيا مستهلكا وتلوثا موزعا في كل اتجاه.

ولا أحتاج أن أذكر بأن ارتفاع أسعار الوقود يجعل من هذه الزيادات في المسافات غير عملية ولا مفيدة إلا لأرامكو.

من هذه الأخطاء ما يمكن حله على المدى القصير ومنها على المدى البعيد وما قبل ذلك الاحتياج إلى انفتاح إدارة المرور والمسؤولين فيها إلى مواجهة الأخطاء وتقبل الحلول برحابة صدر.

لأسرع بطرح بعض الحلول مما ذكرها الضيوف وأكثر. على المستوى التخطيطي، تحتاج إدارات المرور إلى إنشاء أقسام هندسة مرور متخصصة وليس هندسة بأي تخصص، حتى يمكنهم مراجعة فعالية سياسات المرور القائمة الخانقة.

وفيما يتعلق بضبط السلوكيات غير الآمنة على الطريق، هناك حاجة لتحديد الأخطاء المرورية التي تسبب الزحام ومخالفتها بالكاميرات، وعلى رأسها تجاوز طابور السيارات ليتقدم السائق المخالف على الجميع وتصف بعده سيارات مماثلة تزاحم السيارات النظامية عند إشارات المرور.

والخطأ الثاني تغيير المسارات الفجائي دون إشارة من أقصى اليمين لأقصى الشمال أو عند الدخول في المخارج من الطرق السريعة والتي يشارك فيها بعض رجال المرور أنفسهم للأسف.

وثالثا ضرورة مراجعة مناهج تعليم قيادة السيارة لاسيما مدارس الرجال التي خرجت لنا قيادة تؤدي إلى أكثر حوادث سيارات في العالم.

وعلى المستوى التنظيمي الواسع (الماكرو)، فإن المملكة بحاجة لمراجعة سياسة تركيز كل المؤسسات والشركات والدوائر الحكومية في قلب العاصمة والتي تستدعي إخلاء بقية مدن المملكة من سكانها فيما يعرف بالهجرة الداخلية والتي تتنافى مع رؤية 2030 التي تدعو لتنمية كل مناطق المملكة.

فهذه السياسة ترفع من عدد سكان الرياض بشكل متصاعد متواتر قبل أن تهيأ لهم البنية التحتية مما يؤثر على كل الخدمات والفعاليات ورفاه المدينة.

وما زال للحديث بقية.