شاهر النهاري

ما أعز من الأبناء إلا الأسباط والأحفاد

الاثنين - 29 مايو 2023

Mon - 29 May 2023

ابتهجت قبل عدة سنوات بأول مولودة من ابنتي الكبرى، سمتها ديما، وبعد فترة أسعدتنا ابنتها الثانية دلال، وكنت أنا جديدا في عوالم الجدود والأحفاد، أتلقى التهاني من الأحبة، وأحمد الله على أن أتاني العمر والسلامة كي أشهد مثل تلك المناسبات الأعز على النفس.

وأتذكر حوارا دار حينها بيني وبين صديق حجازي يعشق التنظير، فأفادني إنهما ليستا حفيدتين، وأطفق يشرح الفرق بين الأحفاد والأسباط بمفهومه الخاص، وبما لا يتفق عليه لغويا ولا تراثيا، حتى شعرت بأني أعود لزمان النبي يعقوب وأن النجوم والكواكب تدور حولي، وتترجاه ألا يزيح شمس فرحتي العظيمة بهما.

وقبل سنتين رزقت بأول حفيدة رسمية لي من نسل ابني منذر، سماها نجد، فغمرتني السعادة، واتصلت بصديقي أخبره ولكني فوجئت به يخبرني أن الحفيدة مختلفة عن الحفيد، وسألني بصوت خبرة شعاب مكة: هل أطلق أحد أبنائك على ابنه اسمك؟

فشعرت بتقهقر لعهد والدي رحمه الله، والذي لم يمهله القدر ليراني، فسميت على اسمه، وأنا ما أزال في بطن أمي.

وقبل ثلاثة أيام وبحمد من الله، رزق ابني الأكبر نهار بمولود ذكر، سماه على اسمي، وبالفعل فقد لمست الفرق في التسمية، وخيالات تسليم الراية للجيل بعد القادم، وكان لوقع التسمية باسمي تأثيرات نفسية وشاعرية عظيمة، وشؤون وشجون تختلف عن سائر تجاربي السابقة، ليس عنصرية للذكر، فالأنثى، أصل الحياة وبركتها، ونعيمها، ولكني أجد نفسي أتكامل مع كينونة الإنسان الذي كان فردا، وقبل أن تتبرعم بذرته، ويصبح جذع شجرة سرو عتيقة تحتوي أغصانها الأبناء والبنات والأحفاد والأسباط.

حقيقة فلم أتصل بصديقي الحجازي بعد، لأني خشيت أن يخرج لي من الجعبة مرحلة أخرى من تصنيفات الأجيال لم أبلغها بعد، ففكرت أن أكتب مقالي هذا بكامل بهجتي، وربما أتواصل معه لاحقا، بتوقع أن يدخلني لمسارات حفيد الابن، أو سبط الابنة، وهي مراحل بعيدة عسى أن يكون للمحبين منكم الحظ فيها.

تختلف الحالات الشخصية والاجتماعية بين البشر، فبعض المقتدرين يقرر تزويج أبنائه بسن مبكرة، رغبة في مصاحبة أجيال منهم، وقد تراه وسطهم فتعتقد أنه أخوهم.

وهنالك من يكون لهم مسارات حياة عملية أو علمية، أو مادية تصرفهم عن ذلك، وقد يسبقهم الزمان، ولا يطولون سائر الأحداث، والكل قانع بقسمته ونصيبه.

وهنالك من لا يتزوج أصلا، وهم يعكسون التنوع الحاصل في حياتنا اليوم، نتيجة تعسر تكاليف الحياة والزواج، وهموم ومسؤوليات التربية والتعليم والعناية بالأبناء، والتي لم تعد سهودا ومهودا.

شعور سعادة وأنانية إنسانية جميلة، حينما يجد الإنسان من خلفه تنوع البراعم والزهور الواعدة بأن تكون أشجارا تثمر ذكره، وتحكي في وجوده فرحا بما يضفونه إليه من متعة ومسؤوليات حسب قربهم وبعدهم، وطموح وهموم مشاركته فيها.

تعداد الزيجات واستقرار الصحة وطول العمر والراحة المادية تجعل من بعض الأسر شجرة ضخمة عملاقة متفرعة الأغصان كثيرة الأزهار والبراعم.

والرزق مقسوم، والتعسر فيه قد يتزامن مع أعمال إنسانية صالحة، أو علوم أو مخترع أو اكتشاف تستنير به البشرية، أو يسطر به التاريخ أخلاق وعلاقات متفردة تجعل اسمه حروفا تذكر بالخير، وتدوم وتغالب تعرية رياح الزمان.

shaheralnahari@