النظام الدولي المتعدد الأقطاب وتداعياته على الدول العربية
الأحد - 28 مايو 2023
Sun - 28 May 2023
«متعدد الأقطاب» مصطلح ورد على لسان العديد من رؤساء وفود القمة العربية التي عقدت منذ أيام، وكان من بين مَن تداوله: رئيس الجمهورية السورية بشار الأسد، حين قال: نحن اليوم أمام فرصة تبدل الوضع الدولي الذي يتبدل بعالم «متعدد الأقطاب».
وكذلك أورده رئيس الوزراء الجزائري أيمن بن عبدالرحمن، بقوله: لا يمكن الحديث عن الأوضاع السائدة في منطقتنا العربية بمعزل عما يشهده العالم من تحولات عميقة، وتطورات متسارعة تؤشر إلى ظهور نظام دولي جديد «متعدد الأقطاب» على أنقاض نظام القطب الواحد.
هذه الإشارات المتعددة ربما تثير سؤالا فحواه: هل يتاح لنا أن نشهد احتراق النظام الدولي الأحادي القطب لينبعث من رماده نظام دولي متعدد الأقطاب، أم لا زال الحديث مبكرا عن هذا البعث المرتقب؟ وأي النظامين أليق بدولنا العربية؟ بمعنى آخر: هل سيختلف وضع الدول العربية بإعلان ميلاد نظام عالمي جديد، أم سيبقى الحال كما هو عليه؟
شهد النظام الدولي في العصر الحديث ثلاثة أشكال؛ أولا: النظام متعدد الأقطاب منذ القرن التاسع عشر حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، مع الأخذ في الاعتبار تغيير هذه الأقطاب وتداولها بين بريطانيا والنمسا وروسيا وفرنسا وبروسيا.
وقد أفلت شمس هذا النظام بعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية، تحديدا في عام 1945م ليشرق على إثره نظام جديد ثنائي القطب، مثلت القوتان العظميان قطبيه؛ وهما: الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، والاتحاد السوفيتي من جهة أخرى.
وقد احتدمت بينهما المنافسة الشرسة خلال الحرب الباردة التي انتهت بسقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991م، لتظل الولايات المتحدة متربعة على عرش النظام الدولي كقوة عظمى وحيدة فيما عرف بنظام القطب الواحد.
ما العامل الفعال وراء تغير النظام العالمي هكذا؟ في الغالب تكون الحروب هي العامل الفعال في تغير شكل النظام العالمي، والدليل على ذلك أن الحرب العالمية الثانية وقد أنهكت جميع أطرافها المتصارعة، سواء دول المحور المنهزمين كألمانيا وإيطاليا واليابان، أو معظم دول الحلفاء التي خرجت منتصرة لكن ضعضعها الدمار نتيجة طول أمد الحرب والقصف المستمر لسنوات، وعلى رأسها بريطانيا العظمى وفرنسا اللتان سلمتا الراية لقوتين عظميين ناهضتين، هما: أمريكا والاتحاد السوفيتي.
ولم يلبث هذا النظام الثنائي أن انتهى على أثر الحرب الباردة إلى نظام أحادي القطب يقبع على رأسه الولايات المتحدة الأمريكية وحدها لما يزيد على ثلاثين عاما.
لعل المحرك المباشر والرئيس وراء تغير النظام العالمي هو العامل الاقتصادي، الذي يتأثر بدوره بنتائج الحروب المباشرة، كالحرب العالمية، أو تلك غير المباشرة، كالحرب الباردة التي استنزفت طاقة الاتحاد السوفييتي، بالإضافة إلى عوامل أخرى لم تختبر صحتها ومدى أثرها، كعدم القدرة على تحمل نفقات الهيمنة الأحادية، التي تشهدها الولايات المتحدة الأمريكية رغم كونها أكبر قوة اقتصادية وعسكرية في العالم، ورغم ما تحظى به من تقدم في كافة المجالات.
هذه أمور متفق عليها لا يمكننا الاختلاف حولها كثيرا، أما ما يستدعي الخلاف فهو مدى قدرة الولايات المتحدة على مواصلة التربع على قمة النظام العالمي مع ما يستدعيه من ضرورة تحمل نفقات تلك الهيمنة العالمية.
لا خلاف أن مواصلة الهيمنة العالمية تتطلب إنفاقا اقتصاديا ضخما، كالمساعدات الاقتصادية للدول التي تبغي ضمان ولاءها لها اقتصاديا أو عسكريا، عن طريق الدعم العسكري أو بالقوة الجبرية، كما حدث مع العديد من الدول الممانعة لهذه الهيمنة، وهذا الإنفاق الضخم اقتصاديا وعسكريا يستنزف اقتصاد الولايات المتحدة بشكل كبير؛ مما استدعى تحولها من الانغماس في قضايا الشرق الأوسط والانصراف إلى شرق آسيا؛ كونها لا يمكنها السيطرة على العالم أجمع في وقت واحد.
هذا الانسحاب من الشرق الأوسط يتولد عنه فراغ يثير تحدي فرض الهيمنة، كما حدث في اتفاق بكين، الذي يعد البصمة الأولى التي تتركها الصين في منطقة الشرق الأوسط، بوصفها قطبا مرشحا بقوة للانضمام إلى النظام العالمي الجديد المتعدد الأقطاب كونها قوة اقتصادية عظمى، بالإضافة إلى روسيا بقوتها العسكرية الضخمة.
والسؤال المطروح بقوة الآن: هل سيتغير حال الدول العربية بتغير النظام الدولي من شكل إلى آخر، أم أن هذا التغير لن تتأثر به الأنظمة العربية؟
يعتمد الجواب على عدة متغيرات: كيف لتغير النظام العالمي من أحادي القطب إلى متعدد الأقطاب أن يشكل خيارات الدول العربية باختيار حلفائهم؟
وكيف يتيح ذلك لهم وسيلة ضغط على الدول العظمى فيدفع كلا من هذه الأقطاب لمحاولة استقطاب الدول العربية إلى صفها.
ويبقى أهم متغير يحدد حال الدول العربية سواء من حيث تغير الحال أو ثباته، هو أن بعض الدول العربية تتمتع بالسيادة والاستقرار، ولن تسمح بأن تمس سيادتها أو استقرارها.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى هناك دول عربية أخلت بهذه السيادة من أجل الحفاظ على نظامها، وفي سبيل ذلك ضحت بشرعيتها المستمدة من مساندة شعبها لتستند إلى شرعية سندها إحدى الدول العظمى.
وفي الختام يؤكد التاريخ السياسي أنه لا يمكن لنظام دولي أن يظل قائما إلى الأبد. ونحن اليوم لدينا فرصة لإعادة العلاقات العربية قوية تتمتع بكامل سيادتها بما يحول دون تدخل أي قوى عظمى في شئونها الداخلية.
ويبقى السؤال المعلق: هل يمكن للدول العربية التي تستمد شرعيتها من قوى عظمى أن تتخلى عن هذا الدعم الزائف وتحول بوصلتها إلى التماس الشرعية من شعوبها؛ مصدر الشرعية الأصيل؟ هذا ما سوف يخبرنا به المستقبل.
falsaud87@
وكذلك أورده رئيس الوزراء الجزائري أيمن بن عبدالرحمن، بقوله: لا يمكن الحديث عن الأوضاع السائدة في منطقتنا العربية بمعزل عما يشهده العالم من تحولات عميقة، وتطورات متسارعة تؤشر إلى ظهور نظام دولي جديد «متعدد الأقطاب» على أنقاض نظام القطب الواحد.
هذه الإشارات المتعددة ربما تثير سؤالا فحواه: هل يتاح لنا أن نشهد احتراق النظام الدولي الأحادي القطب لينبعث من رماده نظام دولي متعدد الأقطاب، أم لا زال الحديث مبكرا عن هذا البعث المرتقب؟ وأي النظامين أليق بدولنا العربية؟ بمعنى آخر: هل سيختلف وضع الدول العربية بإعلان ميلاد نظام عالمي جديد، أم سيبقى الحال كما هو عليه؟
شهد النظام الدولي في العصر الحديث ثلاثة أشكال؛ أولا: النظام متعدد الأقطاب منذ القرن التاسع عشر حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، مع الأخذ في الاعتبار تغيير هذه الأقطاب وتداولها بين بريطانيا والنمسا وروسيا وفرنسا وبروسيا.
وقد أفلت شمس هذا النظام بعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية، تحديدا في عام 1945م ليشرق على إثره نظام جديد ثنائي القطب، مثلت القوتان العظميان قطبيه؛ وهما: الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، والاتحاد السوفيتي من جهة أخرى.
وقد احتدمت بينهما المنافسة الشرسة خلال الحرب الباردة التي انتهت بسقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991م، لتظل الولايات المتحدة متربعة على عرش النظام الدولي كقوة عظمى وحيدة فيما عرف بنظام القطب الواحد.
ما العامل الفعال وراء تغير النظام العالمي هكذا؟ في الغالب تكون الحروب هي العامل الفعال في تغير شكل النظام العالمي، والدليل على ذلك أن الحرب العالمية الثانية وقد أنهكت جميع أطرافها المتصارعة، سواء دول المحور المنهزمين كألمانيا وإيطاليا واليابان، أو معظم دول الحلفاء التي خرجت منتصرة لكن ضعضعها الدمار نتيجة طول أمد الحرب والقصف المستمر لسنوات، وعلى رأسها بريطانيا العظمى وفرنسا اللتان سلمتا الراية لقوتين عظميين ناهضتين، هما: أمريكا والاتحاد السوفيتي.
ولم يلبث هذا النظام الثنائي أن انتهى على أثر الحرب الباردة إلى نظام أحادي القطب يقبع على رأسه الولايات المتحدة الأمريكية وحدها لما يزيد على ثلاثين عاما.
لعل المحرك المباشر والرئيس وراء تغير النظام العالمي هو العامل الاقتصادي، الذي يتأثر بدوره بنتائج الحروب المباشرة، كالحرب العالمية، أو تلك غير المباشرة، كالحرب الباردة التي استنزفت طاقة الاتحاد السوفييتي، بالإضافة إلى عوامل أخرى لم تختبر صحتها ومدى أثرها، كعدم القدرة على تحمل نفقات الهيمنة الأحادية، التي تشهدها الولايات المتحدة الأمريكية رغم كونها أكبر قوة اقتصادية وعسكرية في العالم، ورغم ما تحظى به من تقدم في كافة المجالات.
هذه أمور متفق عليها لا يمكننا الاختلاف حولها كثيرا، أما ما يستدعي الخلاف فهو مدى قدرة الولايات المتحدة على مواصلة التربع على قمة النظام العالمي مع ما يستدعيه من ضرورة تحمل نفقات تلك الهيمنة العالمية.
لا خلاف أن مواصلة الهيمنة العالمية تتطلب إنفاقا اقتصاديا ضخما، كالمساعدات الاقتصادية للدول التي تبغي ضمان ولاءها لها اقتصاديا أو عسكريا، عن طريق الدعم العسكري أو بالقوة الجبرية، كما حدث مع العديد من الدول الممانعة لهذه الهيمنة، وهذا الإنفاق الضخم اقتصاديا وعسكريا يستنزف اقتصاد الولايات المتحدة بشكل كبير؛ مما استدعى تحولها من الانغماس في قضايا الشرق الأوسط والانصراف إلى شرق آسيا؛ كونها لا يمكنها السيطرة على العالم أجمع في وقت واحد.
هذا الانسحاب من الشرق الأوسط يتولد عنه فراغ يثير تحدي فرض الهيمنة، كما حدث في اتفاق بكين، الذي يعد البصمة الأولى التي تتركها الصين في منطقة الشرق الأوسط، بوصفها قطبا مرشحا بقوة للانضمام إلى النظام العالمي الجديد المتعدد الأقطاب كونها قوة اقتصادية عظمى، بالإضافة إلى روسيا بقوتها العسكرية الضخمة.
والسؤال المطروح بقوة الآن: هل سيتغير حال الدول العربية بتغير النظام الدولي من شكل إلى آخر، أم أن هذا التغير لن تتأثر به الأنظمة العربية؟
يعتمد الجواب على عدة متغيرات: كيف لتغير النظام العالمي من أحادي القطب إلى متعدد الأقطاب أن يشكل خيارات الدول العربية باختيار حلفائهم؟
وكيف يتيح ذلك لهم وسيلة ضغط على الدول العظمى فيدفع كلا من هذه الأقطاب لمحاولة استقطاب الدول العربية إلى صفها.
ويبقى أهم متغير يحدد حال الدول العربية سواء من حيث تغير الحال أو ثباته، هو أن بعض الدول العربية تتمتع بالسيادة والاستقرار، ولن تسمح بأن تمس سيادتها أو استقرارها.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى هناك دول عربية أخلت بهذه السيادة من أجل الحفاظ على نظامها، وفي سبيل ذلك ضحت بشرعيتها المستمدة من مساندة شعبها لتستند إلى شرعية سندها إحدى الدول العظمى.
وفي الختام يؤكد التاريخ السياسي أنه لا يمكن لنظام دولي أن يظل قائما إلى الأبد. ونحن اليوم لدينا فرصة لإعادة العلاقات العربية قوية تتمتع بكامل سيادتها بما يحول دون تدخل أي قوى عظمى في شئونها الداخلية.
ويبقى السؤال المعلق: هل يمكن للدول العربية التي تستمد شرعيتها من قوى عظمى أن تتخلى عن هذا الدعم الزائف وتحول بوصلتها إلى التماس الشرعية من شعوبها؛ مصدر الشرعية الأصيل؟ هذا ما سوف يخبرنا به المستقبل.
falsaud87@