عبدالله مشرف المالكي

بنك الأفكار

الأربعاء - 24 مايو 2023

Wed - 24 May 2023

في المجتمعات التي تنشد النهضة، وتسعى إلى الريادة والسبق، يصبح للأفكار الجديدة وزنا أكبر، لأنه من المفترض أن تكون القاطرة التي تقود عمليات التنمية بطرق ابتكارية غير مألوفة. ولهذا، يعرف المنشغلون برؤى الإصلاح والتطوير أهمية الفكرة، ولا سيما الفكرة المختلفة والخارجة عن سياق المألوف والمعتاد من الأفكار، إلا أن هذه المعرفة قد لا تكون حاضرة في عقل صاحب الفكرة، فيستهين بها، ويخجل منها، وقد يئدها في زاوية مظلمة ضيقة من زوايا عقله زهدا فيها، وانشغالا بغيرها.

وهنا، يجب على جهة ما أن تكون مسؤولة عن تجميع وتنقية وترتيب الأفكار فيما يشبه التنضيد، لفرز المقترحات ذات الأولوية، والأخرى التي يمكن تخزينها لوقت لاحق. هذه الجهة التي يفضل أن تكون رسمية وتحت إشراف مباشر من مؤسسات حكومية، ستعنى بالتواصل الشخصي مع أصحاب الأفكار المنتقاة، ومناقشة أطروحاتهم من كل الزوايا.

لماذا أشدد على ضرورة وجود بنوك للأفكار في بلدنا؟، لأن الأفراد غالبا لا يحيطون دائما بجميع احتياجات الدولة وأجهزتها التنفيذية، ومن ثم فقد تعرض لأحدهم خاطرة تحمل في ذاتها أو بعد تطويرها حلا لمشكلة مستعصية أو مزمنة، لكنه لا يدرك ذلك، ولا يستوعب عقله أن هذه الخبرة أو المهارة التي تفتق عنها ذهنه، قد تساوي الآلاف من ساعات العمل، أو الملايين من الأموال.

من ناحية أخرى، فإن بنوك الأفكار ستكون مسؤولة عن وظيفة أكبر، يعجز عنها الفرد، وهي تلقيح الأفكار ودمجها وتحزيمها في أربطة، ليناسب كل منها نطاق عمل ما، بل ربما ينجح القائمون على مثل هذه البنوك في تقديم حزم أفكار تعالج أكثر من مشكلة، في أكثر من مجال في الوقت نفسه.

في بعض المجالات غير الحساسة، التي لا ترتبط بمعلومات أمنية أو استراتيجية، يمكن أن تكون عضوية بنوك الأفكار الوطنية متاحة لجميع المتخصصين الأكاديميين والمهتمين بالمجال ذاته، لإجراء تلاق مستمر ودائم بين هذه العقول المبدعة، يسفر عنه تنقيح وتحسين للأفكار المختزنة في البنك، أو لتوليد أفكار جديدة وفق المستجدات والمعطيات المحدثة.

إن الجوهر هنا توظيف عقول متعددة المشارب العلمية والثقافية، للوصول إلى الصيغ الجماعية التي غالبا ما تكون أكثر اكتمالا من الصيغ الفردية، بما يصب في النهاية في مخرجات عملية، اقتصادية، قابلة للتطبيق، تنفع الناس، وتوفر الوقت والجهد على الهيئات الحكومية.

لذا، أرجو أن يسارع بتطبيق فكرة بنك الأفكار على مستوى المدارس أولا، لتربية أجيال تؤمن بأهمية الفكرة، وقيمة المشاركة والعمل الجماعي. وأثق أنه بعد سنوات ليست طويلة، سيقود شبان وفتيات السعودية العالم بأسره نحو الرفاة والسعادة.