سعد باسلوم

لماذا أصبح الوخز بالإبر شائع الاستخدام في الطب؟

الثلاثاء - 23 مايو 2023

Tue - 23 May 2023

منذ حوالي عقد من الزمن؛ وعندما بدأت أزمة إدمان المواد الأفيونية في الظهور في الولايات المتحدة، أمضى الدكتور Medhat Mikhael (ميخائيل) الكثير من الوقت في التحدث إلى مرضاه حول طرق وأنواع أخرى من الأدوية والعلاجات البديلة لتخفيف الألم بجانب المواد الأفيونية، في مقال نشره عبر مجلة التايم (TIME)، وبصفته متخصصا في تخفيف وعلاج الألم في مركز ميموريال كير أورانج كوست الطبي في فاونتن فالي في كاليفورنيا، لم يكن يتوقع أن يترك وراءه الاستخدام قصير المدى للمواد الأفيونية كليا؛ لأنها تعمل بشكل جيد مع آلام ما بعد الجراحة ولكنه أراد أن يوصي بعلاج أكثر أمانا وفعالية.

اتضح أن ذلك العلاج الأكثر أمانا هو الوخز بالإبر. فيقول «مثل أي علاج، لا يصلح الوخز بالإبر للجميع، لكن غالبية مرضاي الذين جربوه وجدوا الراحة وعندما بدأت في البحث في الدراسات، اكتشفت مقدار الأدلة الكامنة وراء هذا العلاج، وهذا جعلني أشعر بالراحة في اقتراحه كبديل أو مكمل لأدوية الألم والعلاجات الأخرى».

هذا المزيج من قصص النجاح المروية من قبل المرضى والنتائج المدعومة بالأبحاث، والمستوى المتزايد من الانفتاح من المجتمع الطبي كلها تدفع إلى انتشار استخدام الوخز بالإبر كعلاج، ووفقا لتقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2021، فإن الوخز بالإبر هو ممارسة الطب التقليدي الأكثر استخداما على مستوى العالم، وقد اكتسب قوة جذب وانتشارا في الولايات المتحدة مؤخرا، ففي عام 2020 بدأت الكثير من مراكز خدمات الرعاية الطبية في استخدام الوخز بالإبر لأول مرة لعلاج آلام أسفل الظهر المزمنة وعلى الرغم من أن العلماء لم يتمكنوا من فهم جميع الفروق الدقيقة في كيفية عملها، إلا أن الأبحاث تشير إلى أنه يمكن أن يكون لها تأثير كبير على ظروف معينة، كما أنها تبدو مبشرة للآخرين.

مفهوم الوخز بالإبر:

يعد الهدف من الوخز بالإبر هو نفسه الآن كما كان منذ آلاف السنين عندما تم تطويره لأول مرة في الصين: وهو إعادة التوازن إلى الجسم كما يقول «كيفين مينارد» أخصائي العلاج بالإبر للطب الرياضي وممارس الطب الصيني التقليدي في ساغ هاربور نيويورك، وتعتمد هذه الممارسة على كيفية سير المواد الحيوية عبر الجسم على طول سلسلة من المسارات أو القنوات تسمى خطوط الطول على غرار الطريقة التي تحمل بها الأعصاب والأوعية الدموية الرسائل العصبية والدم عبر كل جهاز.

يقول مينارد «وفقا لنظرية الطب الصيني، يرتبط كل خط طول بعضو معين، ويمكن أن يؤدي وضع إبر رفيعة في نقاط معينة على طول خطوط الطول هذه إلى إحداث تغييرات معينة في الجسم لاستعادة التوازن في حيوية الجسم فالإبر ليست من النوع الذي تستخدمه لسحب الدم، ولكنها رقيقة ومرنة للغاية».

كما يعتقد أن وضعه على طول خطوط الطول يسبب ردود فعل مثل إرسال المزيد من الدم أو السائل اللمفاوي إلى أعضاء معينة أو السماح للعضلات بالتمدد بطريقة تقلل من التوتر والشد على المفاصل والعظام، يقول ميخائيل «إن الإبر قد تحفز أيضا الأعصاب وتساعد على تحسين أداء الجهاز العصبي مما يؤدي للاستجابة للاسترخاء بشكل أفضل وينتج عن ذلك تخفيف الألم».

يعتقد مينارد أيضا أن الوخز بالإبر يحفز جهاز المناعة ويحد من الالتهابات التي تصيب الإنسان، وهما تأثيران يمكن أن يجلبان فوائد في جميع أنحاء الجسم، وفقا للحالة أو الإصابة التي يعاني منها الشخص، فقد تحدث الراحة بجلسة علاج واحدة فقط، ولكنها تستغرق عادة سلسلة من الجلسات خاصة إذا كانت المشكلة معقدة أو مزمنة.

نتائج الأبحاث:

كانت الأبحاث وحتى الآن حول الوخز بالإبر واسعة النطاق وتدعم الأدلة القوية فعاليتها في بعض الحالات ولكن ليس كلها، ووفقا لإحصائية نُشرت في فبراير 2022 في المجلة الطبية البريطانية حيث تم مناقشة وتحليل أكثر من 2000 مراجعة علمية لعلاجات الوخز بالإبر، فإن العلم أثبت فعالية الوخز بالإبر فيما بعد السكتة الدماغية؛ وتخفيف آلام الرقبة والكتف والعضلات والألم العضلي الليفي أو الفيبروميالجيا ومشاكل الرضاعة بعد الولادة وآلام أسفل الظهر وأعراض الخرف الوعائي وأعراض الحساسية.

كما وجد المعهد الوطني الأمريكي للصحة (NIH) أن الوخز بالإبر لتخفيف الآلام يميل إلى الحصول على كثير من الأدلة وفقا للأبحاث العلمية الحديثة، خاصة للحالات التي أصبحت مزمنة مثل هشاشة العظام وآلام أسفل الظهر والركبة وما نحو ذلك، وكذلك الصداع التوتري والصداع النصفي أو الشقيقة، كما توضح الدراسة 11 تجربة سريرية أيضا إلى أن الوخز بالإبر قد يساعد في علاج الأعراض المرتبطة بالعلاج الإشعاعي أو الكيميائي لمرضى السرطان كما يشير المعهد الوطني الأمريكي للصحة.

من جانب آخر تقول «سارة ويفر» أخصائية العلاج بالوخز بالإبر والمعالجة بالتدليك في جامعة نورث وسترن للعلوم الصحية في مينيسوتا في الولايات المتحدة الأمريكية، «إن العلاج بالوخز الإبري موضوعا مزدهرا يستحق الاهتمام ويركز على العلاج وفق منظومة الصحة التكاملية، مثل الوخز بالإبر وتقويم العمود الفقري والطب الصيني التقليدي، وبالنسبة لمرضى السرطان تسهم جلسات الوخز الإبري على الحد من الغثيان والخدر والتنميل والضبابية ونقص الشهية والألم الحاد والمزمن، والتحديات المزاجية التي تصيب مرضى السرطان»، وتقول كذلك «في كثير من الأحيان، يرغب الأشخاص المصابون بالسرطان في إضافة علاج تكميلي لا يؤثر على العلاج الكيميائي أو الإشعاعي، وهنا يمكن أن يكون خيارا مثل الوخز بالإبر مفيدا، وهذا هو السبب وراء قيام المزيد من أنظمة الرعاية الصحية بإدخال هذا العلاج في خيارات الرعاية التكميلية الخاصة بمرضى السرطان».

الجديد في هذا المجال:

الوخز بالإبر ليس علاجا مثبتا ومقبولا في بعض الحالات ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الدراسات التي تدعمها ليست ذات جودة عالية في بعض الأحيان، ويفتقر المجال إلى البروتوكولات الموحدة التي من شأنها أن تسمح بتقييمه علميا بشكل أفضل وفقا لتقرير منظمة الصحة العالمية الأخير وذلك يعود لاختلاف مدارس الوخز بالإبر كالمدرسة الصينية أو الكورية أو اليابانية وغيرهم.

على سبيل المثال، أجريت دراسة بحثية عام 2016 لاستخدام الوخز بالإبر لتعاطي المخدرات والإدمان، ومن بين 83 مقالة بحثية متضمنة في الدراسة وجد الباحثون اختلافات جوهرية في جودة الدراسة، وتكرار الوخز بالإبر، ومدة ترك الإبر في الجسم أثناء العلاج وعوامل أخرى مهمة محتملة، جعل ذلك من الصعب تقييم مدى فعالية الوخز بالإبر حقا في حالات الإدمان، كما يتناقش الباحثون بأن هذا المجال يفتقر أيضا إلى المصطلحات الواضحة المتفق عليها والمقبولة عالميا حول موقع نقاط الوخز بالإبر حسبما أشارت الدراسة، كما يسعى الخبراء الدوليون في هذا المجال إلى جعل التجارب السريرية أكثر صرامة من أجل إثبات فائدة الوخز بالإبر في رعاية المرضى ومساعدة مقدمي الخدمات على تبني أفضل الممارسات مع وجود كثير من التجارب التي أثبتت حصولها على الفائدة من العلاج بالوخز الإبري في حالات الإدمان.

تتضمن بعض الدراسات المستقبلية والقائمة حاليا دراسة كيفية تأثير الوخز بالإبر على التنظيم الهرموني، مثل التخفيف من الهبات الساخنة في سن اليأس أو معالجة اضطرابات الدورة الشهرية، كما تشير الأبحاث إلى أن هذه الممارسة يمكن أن تعزز هرمون الاستروجين والهرمونات الأخرى، كما أن استخدام الوخز بالإبر لمشاكل أمراض النساء أصبح أكثر شيوعا كما يقول «مينارد» ولهذا يركز بعض الباحثين أيضا على دراسة تأثير الوخز بالإبر على الخصوبة عند الرجال، وتشير بعض الدراسات الأولية الصغيرة إلى أن استخدامه قد يكون له علاقة بخصوبة الرجل ويساعد المرأة على الحمل في وقت مبكر والحصول على نتائج تضاهي علاجات أطفال الأنابيب.

كما يشكل الوخز بالإبر لعلاج مشكلات الصحة النفسية مثل الاكتئاب والقلق اتجاها بحثيا رئيسا آخر نتائجه مبهرة، لا سيما فيما يتعلق بكيفية تأثير هذه المشكلات على الصحة العامة، فعلى سبيل المثال، غالبا ما يتم ربط الألم المزمن بأعراض الاكتئاب، لذلك يبحث الباحثون فيما إذا كان العلاج بالإبر الصينية يمكن أن يعالج كلا من: ألم الشخص واكتئابه، فالباحثون متفائلون في هذا المجال، كما أتضح من دراسة نشرت في عام 2020 في مجلة Frontiers لطب الأعصاب أن الأشخاص الذين يعانون من الصداع النصفي والذين قاموا بعلاجات الوخز بالإبر لديهم مخاطر أقل للاكتئاب والقلق من غيرهم الذين يميلون إلى استخدام الخدمات الطبية في كثير من الأحيان، مقارنة بمرضى الصداع النصفي الذين لم يمارسوا الوخز بالإبر.

من جهة أخرى ومع توسع قاعدة الأدلة من المرجح أن تستمر شعبية الوخز بالإبر في النمو عالميا وعلى الرغم من استخدام الوخز بالإبر لعدة قرون، إلا أنه في العقد الماضي فقط كان هناك تحول جذري في الموافقة عليه من قبل كثير من الأطباء والمرضى الغربيين كما يقول «مينارد»، «كما أن الجهود البحثية المستمرة والاهتمام المتزايد من قبل الأنظمة الصحية تشير إلى أن العلاج بالوخز الإبري قد يكون جزءا من الخطط العلاجية المقدمة من قبل الأنظمة الصحية دوليا حيث إن كثير من المراكز المرموقة عالميا بدأت بالفعل بهذا».

مما يجدر الإشارة إليه، أن المملكة العربية السعودية عبر المركز الوطني للطب البديل والتكميلي قطعت شوطا كبيرا في تنظيم ممارسة الوخز الإبري، حيث قامت باعتمادها وفق آليات محكمة تسمح للممارسين المؤهلين بالحصول على تصنيف وتسجيل مهني يؤهلهم للحصول على رخصة مزاولة، ولهذا يجب الحذر من مدعي العلاج بالإبر بجميع مسمياتهم والإبلاغ عن ممارسي الوخز الإبري غير المرخصين من قبل المركز الوطني للطب البديل والتكميلي، كما أنه يمكن لبرنامج تحول القطاع الصحي الاستفادة من هذه الممارسة وجعلها ضمن الخيارات العلاجية المتاحة للمريض عبر المستشفيات الحكومية، مما يسهم في توفير فرص وظيفية ويساعد على تقديم خيارات متنوعة للمرضى وخاصة أن تكلفتها ضئيلة جدا مقارنة بكثير من الخيارات المقدمة.

وختاما يقول مينارد «في نهاية اليوم يريد الأطباء أن يشعر مرضاهم بتحسن، ويبحث الكثير من الناس عن مسارات غير صيدلانية للعافية واعتمادا على الحالة يمكن لهذه الإبر الصغيرة أن تحدث تأثيرا كبيرا».

@SaadBaslom