بندر عبدالعزيز المنقور

دعونا نتعظ من رافائيل

الاثنين - 22 مايو 2023

Mon - 22 May 2023

انتشرت مؤخرا أخبار صادمة ومقلقة حول أحد أشهر الباحثين في العالم، وهو رافائيل لوك، الذي أوقف دون أجر لمدة 13 عاما. عوقب هذا الكيميائي غزير الإنتاج البحثي - الذي نشر أبحاثا بمعدل بحث كل 37 ساعة خلال هذا العام - من قبل جامعة قرطبة؛ بسبب عمله البحثي لمؤسسات أخرى، وعلى رأسها السعودية.

يعد رافائيل باحثا نشطا في النشر الأكاديمي؛ لذلك طلبت منه بعض الجامعات السعودية، ومن أمثاله، نسب انتماء أبحاثهم إلى الجامعات السعودية (طبعا بمقابل)، كما هو الحال مع اسم وصورة رافائيل الموجودين على الموقع الرسمي لبعض جامعاتنا، وبعض الأبحاث المنشورة باسمه تحت الانتماءات السعودية.

في السنوات الأخيرة، سعت العديد من جامعاتنا إلى رفع المكانة الأكاديمية والتصنيفات من خلال الانتساب إلى ما يسمى «العلماء والباحثون ذوو التأثير العالي» الذين يستقطبون بناء على أرقام الاستشهادات البحثية الخاصة بهم. وأحد الأمثلة على ذلك هو برنامج «زمالة عالم» الذي يستقطب الباحثين ذوي الاستشهادات العالية للاستفادة منهم في رفع الترتيب العالمي للجامعة، ففي حين يرى البعض أن هذه الاستراتيجية قد تبدو طريقة سريعة وناجحة وخالية من «الصداع» لتقدم الترتيب العالمي لجامعاتنا، أرى أنا أنها تؤدي إلى عواقب كارثية، ومخاوف أخلاقية لا تحمد عقباها، مثل فقدان النزاهة الأكاديمية، والإضرار بسمعة جامعاتنا وبلدنا دوليا، فقد تحدثت الكثير من التقارير والصحف العالمية عن هذه الظاهرة في بلدنا.

أعرف العديد من العلماء المنتسبين إلى جامعات خارجية، والذين يذكرون الانتماء السعودي في أوراقهم البحثية، ومع ذلك نادرا ما ترى أي اسم لطالب من جامعاتنا مدرجا كمؤلف مشارك، أو مالك لمعامل بحثية في جامعاتنا. البحث العلمي ليس سلعة يشتريها الغني ليطرب بها مسامع المسؤول، بل هو عمل شاق يعرق من أجله الباحث لينهض بمجتمعه، فلنبدأ بالتغيير من الآن.

أرى أن ما حدث لرافائيل هو درس لنا جميعا عن سوء الإدارة لدى البعض، وقد أصبحت اللعبة الآن معروفة للجميع، بمن فيهم أصحاب القرار، ويبقى السؤال: ما الحل؟ هل ستعمل هيئة البحث والتطوير والابتكار على تطوير نظام فعال متكامل للبحث يعمل بكفاءة عالية وشفافية، أم يكمن الحل في تقديم سياسات أكاديمية جديدة، وإيقاف الخطط السابقة التي فشلت؟ والجواب: لا أعلم، ولكني على يقين بأن لدى جامعاتنا إمكانيات بشرية وعلمية غير مستغلة تمكنها من صدارة الجامعات، ولا حاجة لهذه الممارسات السيئة.

أعتقد أنه من المهم أن تتوقف الجامعات عن فكرة المقابل المادي مقابل النشر البحثي، فهي فكرة شديدة السمية، وتؤدي إلى تغليب الكم على الجودة والتأثير، وتفتح المجال للفساد؛ لذا حان الوقت كي نعمل معا على تعزيز ثقافة النزاهة العلمية، ورفع القيم الأخلاقية والأمانة التعليمية، والحفاظ على المعايير الأكاديمية. كما أرى أن تخفيف هوسنا في رفع التصنيف العالمي لجامعاتنا، والتركيز بدلا من ذلك على بناء وتطوير أنفسنا بأنفسنا قد يكون جزءا من الحل، مع وضع معاييرنا (مؤشرات الأداء) الخاصة بنا، وربطها مع ما يقره المجلس العلمي للجامعات بأهداف ومؤشرات الاستراتيجية الوطنية للصناعة، إضافة إلى العمل على أن تكون الاستراتيجية محددة، وقابلة لترجمة رؤيتها وأهدافها الرئيسة إلى أرقام ملموسة يمكن قياسها ومتابعتها.

حفظ الله بلادنا من كل سوء، وزاد من رخائها ونمائها.