الدراما التلفزيونية والتاريخ استعادة أم انتهاك؟
الجمعة - 19 مايو 2023
Fri - 19 May 2023
لا شك أن الثقافة البصرية في عصرنا باتت هي الطاغية طغيانا قد يكون من الصعب جدا مواجهته أو الوقوف ضده، بل ربما من العبث الحديث عن المواجهة معه، إذ يبدو أنها مواجهة خاسرة، إذ نظرنا إليها من منظار الرفض وعدم القبول، إذ بات البث التلفزيوني أو البث عبر منصات التواصل سمة من سمات عصرنا الذي غزته التقانة في مختلف جوانبه، ولعل الملمح الذي نريد الإشارة إليه في هذه العجالة هو ملمح مهم من ملامح السوق التلفزيوني والدرامي، والمتمثل في محاولة تقديم التاريخ من خلال الدراما التلفزيونية، والسؤال المهم الذي ينبو برأسه في هذا السياق، هل الهدف من وراء هذا المنتج استعادة التاريخ كما هو وكما حصل في محاولة تقديم ثقافة تاريخية متلفزة إلى المشاهد أم الهدف من وراء ذلك استعادة مختارة تهدف إلى تغيير الحدث التاريخي وتغيير مساره، وفي محاولة لعصرنته، ونحن في ذلك سنكون أمام انتهاك للتاريخ، إن لم نقل سنكون أمام حالة من بث ثقافة مزورة لتصبح جزءا من ثقافة الناس، لا سيما منهم أولئك الذين باتت الثقافة البصرية هي المشكل الرئيس لثقافاتهم وآرائهم الفكرية.
لا شك أن ما سبق، لا ينبغي أن يفهم منه أننا لا نعلم أن للعمل الدرامي شروطه البصرية واللغوية، واختياراته التي تراعي عند خلق درامية العمل، والسؤال هنا إلى أي درجة يخضع الحدث التاريخي لصالح البنية الدرامية للعمل التلفزيوني، وما هو الحد المسموح به لقبول هذا العمل على أنه صورة للتاريخ؟
هذا إذا تركنا ما يثيره الحدث التاريخي ذاته من روايات متعددة للحدث الواحد، واختلاف كبير حول تفاصيله، فهل يصلح نجاح العمل التاريخي المتلفز جماهيريا ليكون معيارا للأمانة التاريخية التي ينبغي أن يقدمها، والتي ستصبح ثقافة كما يبدو؟
ولو توقفنا عند مثال دال على ذلك بالدراما التفلزيونية التي تناولت السير الشعبية، فسنلحظ كثيرا منها قد قام على انتهاك لغوي فاضح، تمثل بإبدال اللغة الفصيحة بلغة عامية ركيكة، أشعرت المتلقي بانتهاك لغوي للحدث التاريخي، وبعضها قد أخلص في تقديم اللغة الفصيحة بلبوس مقبول في أذن المتلقي فتخلى عن حوشي اللغة، وقرب لغة الحدث التاريخي للمتلقي، فحقق غايات متعددة في آن واحد، إعادة الروح للغة الفصيحة للمتلقين، وتعزيزها، والرد على من قال إنها لغة غير تواصلية في وقتنا الراهن، ليؤكد ما هو عكس ذلك.
وهنا يحضرني على سبيل التمثيل لا الحصر، مسلسل الزير سالم، فعلى الرغم من مرور ما يتجاوز العشرين عاما على إنجازه، فإنه ما زال يحقق نسبة عالية من المشاهدة على منصات التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت، إذ صاغ مؤلفه الراحل ممدوح عدون حكايته بلغة بالغة الجمال تجمع بين التبسيط والفصاحة، يضاف إليها قدرة عالية من التمكن لدى الممثلين، مما جعل المتلقي يتماهى معها وكأنه يعيش اللحظة التاريخية نفسها، ولكن إذا نظرنا إلى الجانب التاريخي فيها، فسنلحظ عمل المخرج الراحل حاتم علي، والمؤلف على حصر خياراتهم في كثير من مفاصل العمل مع ما يخدم الناحية الدرامية على حساب المروي التاريخي الذي يخالف ما ذهب إليه المسلسل، بل ربما جنح المسلسل إلى ما يؤسطر الشخصيات، ويمنحها قدرات خارقة، هي من صنع المخيال الشعبي أكثر من كونها حدثا تاريخيا، وهذا يغذي الناحية الدرامية ويجعلها مثيرة وجاذبة للمشاهد، ولكنها في الوقت ذاته تشكل انتهاكا للحدث التاريخي، إن لم نقل تزييفا له.
بناء على ذلك لا شك أن الدراما التاريخية، ستكون مادة دسمة ومفيدة للمتلقي ثقافيا، فيما لو راعت هذا الجانب الذي لن يتطلب من صناعها سوى الاعتماد على مختصين بالتاريخ المراد إنجازه بصريا كي نجمع الفائدة الثقافية مع متعة المشاهدة، فهل من ناظر في الأمر؟
أم إن عجلة الإنتاج قد حولت التاريخ إلى سلعة من سلع العصر وقضي الأمر؟
لا شك أن ما سبق، لا ينبغي أن يفهم منه أننا لا نعلم أن للعمل الدرامي شروطه البصرية واللغوية، واختياراته التي تراعي عند خلق درامية العمل، والسؤال هنا إلى أي درجة يخضع الحدث التاريخي لصالح البنية الدرامية للعمل التلفزيوني، وما هو الحد المسموح به لقبول هذا العمل على أنه صورة للتاريخ؟
هذا إذا تركنا ما يثيره الحدث التاريخي ذاته من روايات متعددة للحدث الواحد، واختلاف كبير حول تفاصيله، فهل يصلح نجاح العمل التاريخي المتلفز جماهيريا ليكون معيارا للأمانة التاريخية التي ينبغي أن يقدمها، والتي ستصبح ثقافة كما يبدو؟
ولو توقفنا عند مثال دال على ذلك بالدراما التفلزيونية التي تناولت السير الشعبية، فسنلحظ كثيرا منها قد قام على انتهاك لغوي فاضح، تمثل بإبدال اللغة الفصيحة بلغة عامية ركيكة، أشعرت المتلقي بانتهاك لغوي للحدث التاريخي، وبعضها قد أخلص في تقديم اللغة الفصيحة بلبوس مقبول في أذن المتلقي فتخلى عن حوشي اللغة، وقرب لغة الحدث التاريخي للمتلقي، فحقق غايات متعددة في آن واحد، إعادة الروح للغة الفصيحة للمتلقين، وتعزيزها، والرد على من قال إنها لغة غير تواصلية في وقتنا الراهن، ليؤكد ما هو عكس ذلك.
وهنا يحضرني على سبيل التمثيل لا الحصر، مسلسل الزير سالم، فعلى الرغم من مرور ما يتجاوز العشرين عاما على إنجازه، فإنه ما زال يحقق نسبة عالية من المشاهدة على منصات التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت، إذ صاغ مؤلفه الراحل ممدوح عدون حكايته بلغة بالغة الجمال تجمع بين التبسيط والفصاحة، يضاف إليها قدرة عالية من التمكن لدى الممثلين، مما جعل المتلقي يتماهى معها وكأنه يعيش اللحظة التاريخية نفسها، ولكن إذا نظرنا إلى الجانب التاريخي فيها، فسنلحظ عمل المخرج الراحل حاتم علي، والمؤلف على حصر خياراتهم في كثير من مفاصل العمل مع ما يخدم الناحية الدرامية على حساب المروي التاريخي الذي يخالف ما ذهب إليه المسلسل، بل ربما جنح المسلسل إلى ما يؤسطر الشخصيات، ويمنحها قدرات خارقة، هي من صنع المخيال الشعبي أكثر من كونها حدثا تاريخيا، وهذا يغذي الناحية الدرامية ويجعلها مثيرة وجاذبة للمشاهد، ولكنها في الوقت ذاته تشكل انتهاكا للحدث التاريخي، إن لم نقل تزييفا له.
بناء على ذلك لا شك أن الدراما التاريخية، ستكون مادة دسمة ومفيدة للمتلقي ثقافيا، فيما لو راعت هذا الجانب الذي لن يتطلب من صناعها سوى الاعتماد على مختصين بالتاريخ المراد إنجازه بصريا كي نجمع الفائدة الثقافية مع متعة المشاهدة، فهل من ناظر في الأمر؟
أم إن عجلة الإنتاج قد حولت التاريخ إلى سلعة من سلع العصر وقضي الأمر؟