محمد حسين

الاهتمام بدراسة العاطفة من منظور اجتماعي

الأربعاء - 17 مايو 2023

Wed - 17 May 2023

الاهتمام بالعواطف والمشاعر الإنسانية ليس حديث عهد، فقد كانت هناك محاولات وإسهامات في الفلسفة الأخلاقية لكانط، وسبينوزا، وآخرين، كذلك علم النفس في دراسات عالم النفس النمساوي سيغموند فرويد، وإريك إريكسون في نظرية النمو النفسي ومن ناحية أخرى قد اهتم علم الاجتماع بدراسة العواطف ومن أوائل من اهتم بها عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر في دراسته للموجهات الفعل الاجتماعي وقد قسم مسببات الفعل الاجتماعي إلى أربعة وكان من ضمنها الفعل الوجداني وهو الفعل الموجه بالعاطفة، كما اهتم بالعاطفة والقيم الاجتماعية للبروتستانت وإسهامها في نشوء النظام الرأسمالي، كذلك عالم الاجتماع الفرنسي إيميل دوركايم في دراسة ظاهرة الانتحار وفي موضع آخر أشار إلى أن إشكالية الحداثة أو المراحل الانتقالية للمجتمع من مرحلة إلى أخرى هو أن الناس يجدون أنفسهم في معاناة مع التفسخ الاجتماعي - الأنومي - على حد تعبيره، كذلك اهتم قوفمان بالعاطفة إلا أنه حصر دراسته في مشاعر الخوف والخجل ومن غير الممكن اختزال السلوك البشري في هذه المشاعر فقط.

بالرغم من أن نظرية المسرح الاجتماعي لقوفمان - نظرية ميكرو - صغرى إلا أنها كانت ذات أثر واسع وممن تأثروا بها عالمة الاجتماع آرلي هوتشيلد في النصف الثاني من القرن العشرين وقد اهتمت بدراسة العواطف بشكل عام ورئيس من منظور اجتماعي في دراستها لمضيفات الطيران وقد ذكرت ثلاثة مفاهيم ستتبناها المقالة لاحقا وهي: التمثيل السطحي وهو يشير إلى ما يظهر لنا من مشاعر وتعابير في التفاعل الاجتماعي والتي قد تكون معبرة عن الشعور الحقيقي أو مصطنعة مثل الابتسامة أو اللطافة وتقدمها شركات الطيران كسلعة يتم تدريب العاملين عليها للمحافظة على الأمان داخل الطائرة، وغالبا ما يكون التمثيل السطحي مطلوب في الوظائف الخدمية. أما المفهوم الآخر فهو التمثيل الخفي والمقصود هو ما بداخل الفرد من عواطف وشعوره الحقيقي والتي لا تظهر بالعادة إلا في منطقة الراحة - خلف الكواليس - كما يطلق عليها قوفمان. أما المفهوم الثالث والأخير هو إدارة المشاعر والذي يشير إلى إدارة التفاعل الاجتماعي بإظهار ما هو متوقع من الفرد من مشاعر وتعابير حسب الموقف.

في ظل وسائل التواصل الاجتماعي اختلف ذلك وأصبح مطلب للمؤثر الذي يطمح لتحويل رأسماله الاجتماعي إلى رأسمال اقتصادي أو غيرها من الأسباب كالضبط الاجتماعي، حيث لا بد له من العيش «في ازدواجية د. جيكيل وهايد» فهو دكتور جيكيل أمام الشاشة ومستر هايد من خلفها حين يتريح من هذه الأقنعة والمجاملات التي قد تكون خلاف ما يظهر منه تماما.

وفي ذلك يشير الوزير والأديب الراحل غازي القصيبي لهذه الظاهرة في رواية «هما» وهي تدور حول شخصيتين خياليتين من وحي الكاتب لا أسماء لهما ذكر وأنثى يخاطب الذكر الشخصية الأخرى قائلا «العلاقة التي تبدو علاقة حب بين الموهوب والجماهير هي في حقيقية أمرها علاقة استغلال، لا تستعجلي لا أقصد الاستغلال المادي، هذا أهون أنواع الاستغلال. الموهوب الذي يتغنى بالجماهير يريد من الجماهير أن تتغنى به، يريد الملايين أن تهتف: يحيا فلان حبيب الملايين. يريد أن يتردد اسمه على ألسنة الناس، الموهوب يتغزل بنفسه ولا ينخدع بهذا الغزل سوى البلهاء». لعل خير ما نختتم به هذه الفقرة هي مقترح لدراسة العمل العاطفي لدى مؤثرين التواصل الاجتماعي فما هي أبعاده وصوره؟