خالد العويجان

السعودية وإخراج المنطقة من القمقم

الأربعاء - 17 مايو 2023

Wed - 17 May 2023

المنطقة لطالما كانت تغلي.

على الأقل خلال العشر سنوات الماضية، وربما أكثر من ذلك.

شريط الأخبار اليومي، يحمل كثيرا من المفاجآت، أو الصدمات، والألغام.

أجمل ما في نشرات الأخبار، بعض الحسناوات.

الوجوه جميلة، والمضمون المنقول قبيح.

هي مهنتهن التي أجبرتهن على ذلك.

وهذا هو الإعلام؛ وهذه هي الصحافة.

قبل سنوات ليست بالبعيدة، كان الجميع ينافح ضد نظام بشار الأسد. واليوم أتصور أنه يجب العودة عن ذلك الخط. وهذا ليس تبريرا أو تراجع، بقدر ما هو إيمان بالواقع المحكي، بأن السياسة، عبارة عن حقل كبير من الألغام.

كيف لا؛ وهي التي من الممكن أن تضع عدو الأمس، في خانة أصدقاء اليوم. ذلك بالمجمل مفهوم عام، لا يعني انقلاب على مبدأ أو قرار؛ إنما تراجع، يحكمه، تحقيق «المصالحة»، للوصول إلى «المصلحة».

والفرق شاسع بين الانحراف عن مبدأ، والتراجع عنه. الأول لا تحكمه قوانين، أو أخلاقيات.

والثاني حسب زعمي، أنه إلى حد ما، محكوم ببعض مفاهيم وضوابط النظر بحكمة على أقل تقدير.

حديثي اليوم عن إعادة سوريا إلى الحضن العربي، وفسح المجال لها، لأن تكون عضوا في جامعة الدول العربية.

وفقدان دمشق لتلك الصفة السياسية، لم يكن من باب فرض القوة، بل كان نتيجة موقف سياسي، اتخذته الدول الأعضاء في الجامعة العربية، مقابل اصطفافها إلى جانب الشعب السوري، منذ بداية الأزمة في 2011، وحتى هذا اليوم.

كيف حتى هذا اليوم؟ من خلال النظر إلى الرؤية الشاملة لبعض الدول المؤثرة في المنطقة، والتي بذلت جهدا مضنيا لإعادة سوريا إلى الجامعة، المعنية بملامسة جروح الشعب، وعودة اللاجئين، الذين شكلوا حالة من التشرذم في العالم، وهذا لا يليق بكرامة شعب كالسوري.

صحيح أن ورقة استهداف دول الخليج بـ»المخدرات»، قد أخذت حيزا لا يستهان به في اجتماع شهدته العاصمة الأردنية عمان قبل أيام، جمع بين مسؤولين من خمس دول عربية «على رأسها المملكة»، وهذا ما تم تنفيذه، من خلال قيام سلاح الجو الأردني بغارة قضت على أهم مهربي المخدرات للسعودية والخليج، في سوريا. وفي ذات الوقت، فذات الاجتماع لم يغفل ملف «الميليشيات الأجنبية» على الأراضي السورية؛ وذلك ما سيتصدر المشهد في قادم الأيام، من خلال عمليات ترحيل أو طلب مغادرة من الأراضي السورية. المهم أن ذلك تم بين الدول بنهاية الأمر وفق منطق «لا قوة فرض أمر واقع.. ولا رفض قطعي أو متشنج» من قبل دمشق؛ أو بمعنى آخر طبقا لمعادلة «لا غالب ولا مغلوب».

وما يؤكد موافقة دمشق على استيعاب الرغبات العربية، المذكورة آنفا، بيان وزارة الخارجية السورية بعد الموافقة على إعادة دمشق للجامعة العربية. إذ قالت «إنها تتابع التوجهات والتفاعلات الإيجابية التي تجري حاليا في العالم العربي، التي تصب في مصلحة كل الدول العربية». فتفسير ذلك، يعني قبول التوجه السياسي الجديد، كخطوة في الاتجاه الصحيح لجميع الأطراف.

وبعيدا عن سعوديتي، التي سأنحيها جانبا، على حساب النظر بعين المراقب، فأتصور أن البيان السوري، لم يجمل بالقول «التفاعلات الإيجابية في العالم العربي»، دون النظر بإمعان للتحركات، التي تقوم بها المملكة العربية السعودية، والتي أخذت على عاتقها، تبني زمام بناء مصالحات، من شأنها تحويل المنطقة بأسرها، إلى مساحة صالحة للعيش، من خلال التوافق الكُلي، وإغلاق باب التشرذم، الذي كان يحول دون أن يكون هذا الجزء من العالم، ذو أهمية، ويمكنه الحصول على مكانته الخاصة بكل شيء.

والحقيقة التي يستحيل إنكارها أو تجاهلها، أن بعضا من الساحات في العالم العربي، التي كانت تعيش على وقع «رماد مدفون»، التقطت كثيرا من الأنفاس، لمجرد رؤية وزير الخارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان، بدمشق، إلى جانب، الرئيس السوري بشار الأسد، في قصر الشعب. بلا جدال؛ فإن تلك الصورة، انعكست على ساحات قصدتها، «كالساحة في العراق، وبيروت، ودمشق نفسها، وصنعاء»، وكما يتضح، فإن الرسالة قد بلغت الرأي العام في تلك العواصم، والتي تفيد بأن الرياض، هي التي ستحمل على عاتقها «لملمة» الشتات العربي، وهذا ما تحقق من حيث المبدأ.

قد ينظر البعض إلى أن المملكة، لجأت لـ»اللملمة» لإنجاح القمة العربية المرتقبة على أراضيها. وهذا غير صحيح. والبعض الآخر، يرى أن الرياض لم تقدم على ذلك، دون بحث عن نفوذ، أو موطئ قدم. وهذا غير منطقي، لماذا؟ لأن النمط الفكري السياسي، لا يقاد بطريقة تقليدية، أكل عليها الدهر وشرب، وقد سبق تجربته سابقا في عدة ملفات، واتضح عدم جدواه، وهذا ما يفسر عملها -أي المملكة- للمنطقة بمنطق عام، وليس وفق رؤية أحادية تضع كل شيء وراء ظهرها، ويتأكد ذلك من خلال النظر للسياسة السعودية، التي تفرض تسامحا متزن، ينظر بعين ثاقبة واسعة، لترى المنطقة بأسرها وفق منطق مصلحي عام، لتعيش ازدهارا يفترض الابتعاد عن الفوضى وشتات الرأي والأفكار.

إن السعودية التي لا تقاد وفق منطق أيديولوجي أعمى، إنما باتزان ووعي كبير، يبعدها عن شراك الألعاب السياسية عديمة النتائج، يعي صناع قرارها - وأقصد هنا الملك وولي العهد - حجم المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق الدولة، من ناحية ترتيب البيت العربي، استنادا على قواعد المملكة الصلبة، بثقلها الديني أولا، ومن ثم، السياسي والاقتصادي؛ وعلى هذه الأساس، عملت بكل اقتدار على وضع الجميع تحت مظلة عربية جامعة، لإعادة المنطقة إلى موضعها الحيوي، الذي يفترض تسام عن الجراح، وخروجا من قمقم الماضي.

بقي القول، أن الابتعاد عن منطق «الاصطفاف الإقليمي» بات أمرا حتميا.

وقبل ذلك التخلي عن «شخصية المُنتصر». للحصول على مفتاح أبواب التاريخ، والسير «خطوط بخطوة»؛ نحو لم الشمل العربي، وهذا يفترض ابتسامة الجميع.. لتكون الصورة «حلوة».