ماجد بن نويصر

أحيانا من المفيد وجود أحمق في الفريق

الاثنين - 15 مايو 2023

Mon - 15 May 2023

من النادر أن تجد خبيرا اقتصاديا أو مستشارا ماليا يتحدث في مجال ليس من اختصاصه كالرياضة أو الطب أو التعليم أو غيرها.

لا أعرف حقيقة السر في ذلك ربما لانشغالهم بجمع وتكديس عصب الحياة وشريانها، لكن منذ أن أعلنت وزيرة الخزانة الأمريكية بداية هذا الشهر أن النقد سينفذ من خزينة الدولة إن لم يتفق الديمقراطيون الجمهوريون على حل لأزمة الدين، وحددت الأول من يونيو موعدا لذلك حتى بدأت تظهر للعالم بعض الأعراض الغريبة بين أمراء وول ستريت.

وتراوحت تصريحاتهم بضرورة تحلي أعضاء الكونجرس بالمسؤولية من جهة، ومحاولة تهدئة الأسواق العالمية من جهة.

إنهم بكل بساطة يعرفون ما الذي كانت تتحدث عنه الوزيرة. لقد كانت ترسل إشارات خطيرة بعبارات لطيفة مفادها أن الولايات المتحدة، صاحبة الاقتصاد الأقوى في العالم سوف تعلن إفلاسها ولن تتمكن من سداد ديونها ولا حتى مرتبات موظفيها التابعين للحكومة، ومن الواجب على الكونجرس الموافقة على رفع سقف الدين.

سقف الدين في علم الاقتصاد هو المبلغ الذي لا يمكن للدولة أن تتجاوزه في حال رغبتها في الاستدانة أو الاقتراض من جهات داخلية أو خارجية أو دول لكي تتمكن من الالتزام بسداد ديونها المستحقة ودفع مرتبات موظفيها وإنجاز المشاريع والإصلاحات التي وعد بها الرئيس قبل فوزه في الانتخابات.

كان هذا الإعلان متوقعا خاصة بعد فوز الجمهوريين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة وإعلانهم الاستعداد للموافقة على زيادة سقف الديون بمقدار 1.5 تريليون دولار شرط أن ترتبط مع 4.8 تريليونات دولار في خفض الإنفاق وإصلاحات السياسة المالية، لكن ما لم يكن متوقعا هو الشعور بأن الأيام أصبحت أسرع، ولم يبق على الكارثة سوى أسبوعين.

وقد بدأت وزارة الخزانة فعليا باعتماد الخطوط العريضة لخطة الطوارئ التي كانت قد مرت بها في 2011، عندما واجهت الدولة وضعا مماثلا من العناد والتصلب بين الرئيس أوباما والجمهوريين أيضا، فكانت النتيجة أن تم خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة بمعدل درجة وكانت سابقة تاريخية في حينها. فالتصنيف الائتماني يعد تقييما تجريه مؤسسات مالية متخصصة حول مدى موثوقية دولة ما في التزامها بسداد ديونها داخليا وخارجيا اعتمادا على عوامل عدة منها قوة الاقتصاد والوضع الأمني والفساد وغيرها.

وكان مقدار الدين العام الأمريكي مع بدء فترة الرئيس ريغان يبلغ تريليون دولار فقط، لكن حمى المزايدة بين الحزبين بدأت منذ عقدين فقط وأضافت ديونا بقيمة 25 تريليون دولار، حيث كلفت الحرب على الإرهاب ما يقارب الستة تريليونات دولار، ثم أضافت الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008 حوالي نصف تريليون، ثم جاءت سنوات أوباما بخطة تحفيزية لمعالجة تلك الأزمة منذ 2009 إلى 2011 فأضافت 2.7 تريليون دولار، حتى جاء الزمان بالكارثة التي توازي في تأثيرها تأثير الحرب العالمية الثانية وانتشر وباء كورونا وأغلقت الأرض أبوابها، وهذا هو السبب الحقيقي الذي أطاح بالرئيس السابق دونالد ترمب.

يبلغ الدين الأمريكي اليوم أكثر من 34 تريليون دولار ويطالب الديمقراطيون برفع سقف الدين دون أدنى شرط جمهوري. ويبدو أن الجميع متصلب في رأيه، لكن هذه الجولة من المعركة تبدو محسومة مسبقا وذلك لسبب بسيط ومحير، بسيط لأن أحد الطرفين هو الرئيس الأمريكي جو بايدن، ومحير لأن بحسب صحيفة تايمز ريببليكان فإن جو بايدن غير قلق أبدا من عواقب تراكم الديون على أمريكا، بل إنه علل ذلك بأن الدين الأمريكي تراكم منذ مئتي سنة وزاد أثناء ولاية ترمب، هذه الذاكرة الاختيارية نسيت أنه خلال ثماني سنوات من ولاية (أوباما - بايدن) زادت نسبة الدين من 60% إلى 100%.

يبدو أن الديموقراطيين قد وجدوا ضالتهم لكسب المفاوضات في شخص الرئيس جو بايدن وقاموا بتدريبه اعتمادا على سياسة وتكتيك ولعبة. أما السياسة فهي سياسة حافة الهاوية التي تعود إلى وزير الخارجية الأمريكي في عهد أيزنهاور جون دالاس وتقوم على إيهام الخصم أنك تأبى التنازل أو الرضوخ ولو أدى بك ذلك إلى اجتياز هذه الحافة إلى المجهول.

أما التكتيك فهو تكتيك الرجل المجنون الذي يعود إلى وزير الخارجية الأمريكي السابق في عهد نيكسون هنري كيسنجر، حيث كان يمارس هذا التكتيك أثناء التفاوض مع الفيتناميين في باريس، فعندما يتصلب الفيتناميون، كان كيسنجر يطلب أن يختلي مع رئيس الوفد فيقول له متقمصا دور الرجل الطيب: أحب أن تعرف أن ذلك الرجل الجالس في البيت الأبيض مجنون!، ولولا أنني أقوم بتهدئته لأمر بتسوية فيتنام بالأرض!. ثم يطرق كيسنجر رأسه مدعيا الحيرة قبل أن يواصل: الآن وقد أوصلتم التفاوض إلى طريق مسدود فإن هذا الرجل عندما يبلغه الخبر سوف يجن وسيأمر باستئناف القصف، إنني أنصحكم بالمرونة وإبداء قدر من التنازل حتى أتمكن من تهدئة ثائرة ذلك الرجل!.

أما اللعبة فهي لعبة الدجاجة التي يلعبها المراهقون عديمو المسؤولية، ومفادها أن يقود اثنان من المراهقين سياراتهم في مسارين متعاكسين وبسرعات عالية فإما أن يصطدما ببعضهما ويفنيا جميعا وإلا أن ينحرف أحدهما بسيارته متحملا ذل المسؤولية ولقب الدجاجة (كناية عن الجبن) في سبيل أن ينجيا جميعا.

منذ استلم زعيم الأغلبية الجمهورية كيفن مكارثي رئاسة مجلس النواب قبل خمسة أشهر وبدء المفاوضات حول رفع سقف الدين وهو يلمح كثيرا إلى استخدام الطرف الآخر هذه الوسائل التفاوضية غير المسؤولة.

وبالنظر إلى طبيعة شخصيات أعضاء الفريقين أعتقد أن الحسم سيكون للديموقراطيين بنسبة قليلة من التنازل للجمهوريين، وسيرضى الجمهوريون بذلك لأنهم بكل بساطة الفريق الأعقل.

MBNwaiser@