فهد عبدالله

سر الأسرار

الاثنين - 15 مايو 2023

Mon - 15 May 2023

بالتأكيد هموم التغيير والانتقال من حال إلى حال أفضل في شتى المجالات التي تلامسنا تطال جميع البشر، لما هي عليه الطبيعة الإنسانية والفطرة الكونية التي تجعل من غرائز البقاء والأمان والنمو نوازع خلقية في التكوين الداخلي، تدفع الإنسان إلى مزيد من المكتسبات، أيا كانت طرائقها ووسائلها التي يهذبها الدين والأعراف الحسنة والضمير الحي.

وعندما أتأمل أفضل قوالب أو مسارات التغيير المنشودة في السير والتراجم وتجارب أصحاب الأثر الكبير في أي مجال، كنت أجد أن هناك صفتين بمجرد وجودهما كان ذلك التغيير الكبير والأثر العظيم، هما: صفة الاستمرارية، والانضباط. والحديث هنا ليس عن حجم المدخلات أو صرف وقت معين بقدر ما هو عن الاستمرار والانضباط.

لا أريد المبالغة في هذا الجانب ولكن لا أخفيكم، فما وجدت نجاحا مبهرا ونهوضا فرديا أو جماعيا إلا وجدت استراتيجية الاستمرارية والانضباط تقبع خلف ذلك التميز والنهوض. أكاد أجزم أنه سر الأسرار الذي قد يكون معروفا على المستوى النظري، وينتابه الجهل في عالم التطبيقات.

مثلا، قد تمر عليك عشرات الحالات التي أرادت أن تضع حدا لموضوع السمنة، وأن يتغير حالها من الإفراط الى الاتزان ولكنها لم تنجح في هذا المسار، بينما بعض الحالات نجحت في ذلك بطريقة مذهلة، لو بحثت قليلا في جذور التوفيق في هذه المسألة، فستجد خلفها استراتيجية الاستمرارية والانضباط. والذين لم ينجحوا في ذلك وضعوا كما كبير من الجهود في حماس البدايات وانطفأت الجذوة في مهدها، ويشهد على ذلك غبار بطاقات الاشتراكات في النوادي الرياضية.

في عالم الاستثمار مثلا، ولربما هذا الجانب من أكثر الجوانب التي ينطق فيها أصحابها بأن الاستمرارية والانضباطية هما وراء تلك النجاحات التي هم فيها. ابحث واقرأ واستمع لقصص النجاح العصامية التي بدأت من الصفر، يقينا ستجد في شريط السيرة الذاتية ملمح الاستمرارية والانضباط. وستجد تلك الحكمة التي تتكرر في تلك السير الذاتية، والتي تتحدث عن أن «تحريك الصخور اليوم يجعلك قادرا على تحريك الجبال في الغد».

حتى على الجانب التعبدي، كان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعلم ويوصي أمته بتلك الحكمة الخالدة: (إن أحب الأعمال أدومها إلى الله وإن قل)، فقليل دائم خير من كثير منقطع، والقليل بجانب القليل المستمر سيكون كثيرا بفضل من الله ورحمة، فضلا عن آثار تلك الأعمال القليلة الدائمة في نفس صاحبها وعلاقته مع المولى عز وجل.

أعتقد وأؤمن بأن العظمة الشخصية هي طاقة كامنة موجودة في كل بني البشر (وتحسب أنك جرم صغير *** وفيك انطوى العالم الأكبر)، ولا يحل سوارها إلا ذلك السر المعروف الاستمرارية والانضباط. مدارات التطبيقات في طبيعتها صعبة إلا لمن وفقه الله في ذلك، وهي كيف نحول الفورات العاطفية والمشاعر النبيلة الفياضة وتلك الأهداف المرسومة، إلى نوع من الالتزام المستمر تجاه تحقيقها وعدم الوقوف مهما كانت المكدرات والعوائق. وإن صحت العبارة، فإن الجناحين اللذين يطير بهما أصحاب العظمة في أفلاك النجاح والفاعلية والأثر هما: الاستمرارية والانضباط، دون تردد في ذلك أو اشتباه.

fahdabdullahz@