عبدالله سعود العريفي

أقنعة للبيع

الاحد - 14 مايو 2023

Sun - 14 May 2023

يصادف الإنسان في حياته أناسا دون أن يدرك بحواسه ما تبطنه ضمائرهم وما تكنه صدورهم وما تخفيه أنفسهم نحوه، وتلك الوجوه التي يتم التعامل معها قد تلبس أقنعة متنوعة وبكل المقاسات وترتدي أخرى بمختلف الأشكال والألوان.

أقنعة محسنة ومزينة ومجملة ولكنها مزيفة تثير الرعب في العقول وتبعث الذعر في النفوس وتبث الفزع في القلوب، وحينما تهوي تلك الأقنعة وتسقط وتنجلي الحقيقة ترى وجوها عابسة مقطبة متجهمة مملة تسعى جاهدة إلى التغلغل بصورها السيئة ومظاهرها القبيحة؛ فلا تجد إلا الإبعاد والإقصاء والإخراج بقوة.

أرجع علم النفس ارتداء الأقنعة إلى تدني تقدير الذات وعدم الشعور بالاحترام والقيمة والكفاءة؛ فالذين يتمتعون بقدر عال وكفاءة كبيرة من تقدير الذات يعبرون عن ذواتهم الحقيقية والذين يمتلكون تقديرا ذاتيا منخفضا؛ فإنهم يرتدون أقنعة مزيفة ومصطنعة من أجل أن يخفوا مشاعرهم الحقيقية وعواطفهم الواقعية وأحاسيسهم الفعلية وراءها، وهم بذلك يحاولون أن يكونوا ذواتا غير ذواتهم الأصلية من أجل إقناع الآخرين بذواتهم المصطنعة مع أن الاختباء وراء تلك الأقنعة يجعل أصحابها يفتقدون الفرص تلو الأخرى في تحسين ذواتهم وشخصياتهم والاعتزاز بها؛ فمن أراد زيادة تقدير الذات ورغب في الشعور بالاحترام؛ فلا يستتر وراء الأقنعة ولا يتصنع ولا يتظاهر وإنما يتجرد ويتفرد بذاته ولا يخضع للميول والعواطف.

عندما تنكشف تلك الأقنعة فإن استيعاب قبح وبشاعة الوجوه الحقيقية التي تم تقاسم الذكريات معها بمختلف صورها يحتاج أوقاتا طويلة وأزمنة مديدة، وفي الحقيقة أن الأقنعة تقع وتهوي عندما تنقضي المصالح والتي هي صخور لها أشكال متعددة وأنواع كثيرة تتفتت عليها في أحيان كثيرة كل القيم؛ فمجرد أن تتغير حاجات أصحابها أو تنتهي المصلحة يتغير إخلاصهم؛ فلا شيء مؤلم أكثر من قناع كان يظن يوما ما بأنه وجه حقيقي ولكن الأيام تدور والوجوه تتواجه من جديد مرة أخرى في أماكن مختلفة وظروف متباينة وأوضاع متنوعة وأحوال متعددة وعندها لن يكون هناك مجال للبس أقنعة جديدة وارتداء أخرى لم يسبق استعمالها.

سقوط تلك الأقنعة ووقوعها لا يستطيع الإنسان الوصول إليه واكتشافه بشكل سريع وبصورة خاطفة بل قد يحتاج إلى زمن طويل ووقت ليس بالقصير وتصرفات عديدة ومواقف كثيرة ليتم اكتشاف الحقائق المخبأة وراء تلك الأقنعة المصطنعة، وعندما تتبين الأوجه الحقيقية وتظهر الأشكال الفعلية سيصاب الإنسان بالدهشة ويتحير وينصدم من شدة إتقان أداء الأدوار وبراعته والتي قام بها أصحاب تلك الأقنعة وسيتوجع منها كثيرا.

هذا الاستتار وراء الأقنعة المزيفة والاحتجاب خلفها يجعل أصحابها يتحولون إلى أشخاص مخادعين يسعون جاهدين وبمختلف الأساليب لردع مشاعرهم الفعلية وكبح أحاسيسهم الحقيقية وعدم إبرازها حتى لا تتعطل خططهم التي كتبوا تفاصيلها الدقيقة بمهارة عالية ورسموا أشكالها بمقدرة بارعة؛ فليكن الإنسان واعيا للحظات سقوط الأقنعة ويركز على ما خلفها؛ ليفهم حقيقة من يدخل في إطار حياته وليضع كل شخص في المكان الصحيح، وليدرك أن أصحاب المعادن الأصيلة وجوههم حقيقية ولا يحملون أقنعة مزيفة، ولينتبه للحظات انكشاف الوجوه الحقيقية وزوال الأقنعة المزيفة؛ فعندها سيبقى من يبقى وسيرحل الراحلون وستعلق فوق الصدور لافتات مكتوب عليها (أقنعة للبيع).