علي المطوع

السودان وخيارات السلم والسلام

الاحد - 07 مايو 2023

Sun - 07 May 2023

يبدو أن السودان أمام فصل جديد من فصول الفوضى المتعمدة والمعتمدة لدى الآخر، والتي ما زالت تجد لها في منطقتنا العربية سوقا عبثية رائجة، سوق لا تزدهر إلا في ما يعرف بالشرق الأوسط بكل إصداراته القديمة والحالية وما يراد له من إصدار فوضوي جديد!

السودان بلد عربي أفريقي متعدد الأعراق والقوميات واللغات، يعد بوابة سهلة للوصول إلى إفريقيا بدون موانع طبيعية تمنع ذلك، فبنظرة واحدة للخريطة السودانية نجده يطل على البحر الأحمر بساحل مديد بمسافة تتجاوز 600 كم، وبتماس مباشر مع 7 دول أفريقية جارة، وعندما نقول مباشر فنكرر أنه لا يوجد موانع طبيعية تمنع التداخل بين السودان وجيرانه، هذه المميزات الإيجابية أفقدت السودان قراره واستقراره وجعلته عرضة لأحكام جائرة وحكام أكثر جورا وأطماع استعمارية دائمة أوصلته إلى هذا المنعطف الذي ربما يكون الأخير في تاريخ الدولة السودانية الحالية.

بدءا بانقلاب إبراهيم عبود مرورا بالنميري وسوار الذهب وصولا إلى عمر البشير، كان السودان وما زال بلدا متأزما، ما إن يخرج من أزمة حتى يدخل في أزمة جديدة، حتى جاءت الأحداث الأخيرة التي عصفت بحكم البشير وأظهرت سلطتين عسكريتين مختلفتين، تتمثل الأولى في الجيش كمؤسسة عريقة وشرعية في البلد، ونظام ميليشيات عرف بالجنجويد، ثم هذب الاسم ليصبح فيما بعد؛ قوات الدعم السريع، وكانت نشأة هذه القوات بداعي قمع بعض أشكال التمرد في دارفور غربي السودان وفي بعض المناطق السودانية الأخرى.

واليوم يعيش هذا البلد فوضى اختلاف الجيش مع قوات الدعم السريع، الذي تصاعدت وتيرته في الأيام الماضية، وكان من نتائجه الغريبة، الخروج السريع لجل البعثات الدبلوماسية من الخرطوم في مشهد غريب، وكأن الدول الكبرى كانت تعرف مسبقا مآلات أمور السودان اليوم، وتترصد ما ينتظره من أيام مأساوية قادمة.

البعض يرى أن السودان يستنسخ المشهد ذاته الذي يجري في بعض البلدان العربية المجاورة، فهناك ميليشيات مسلحه تنقلب على الجيش وشرعيته، ومن المؤكد أن هذه الميليشيات تأتمر بأوامر خارجية، تريد منها صناعة واقع جديد على الأرض، هذا الواقع يبدأ بالاعتراف بهذه الميليشيات كمكون رئيس من مكونات السودان، وهذا يخولها أن تصبح رقما فاعلا في حراك السودان السلمي المتأمل أو في فوضاه المرتقبة.

السؤال الأهم ما مغزى توقيت هذه العمليات وهل لها علاقة بما يجري من مصالحات في الإقليم العربي؟ يبدو الأمر كذلك، فالغرب وقواه الاستعمارية لا تريد للمنطقة استقرارا ينعكس على شعوبها، والسودان كان مهيأ للانفجار كونه حالة غير مستقرة ومتوترة، هذه الظروف ساعدت على الدفع بأحداث السودان الأخيرة لتطفو على السطح، ولتكون هذه الدولة مشروع اقتتال جديد يعصف بها وبالمنطقة العربية، ويعيد لخبطة الأوراق من جديد بعد أن كان الكثيرون ينتظرون هدوءا ينعم به الجميع.

السودان بتاريخه المديد، وبجغرافيته الممتدة والغنية بكل الثروات، كان قادرا على الاستقلال بشؤونه وشجونه بشكل أفضل وأكمل، ألم يكن قلعة عروبية خالصة انطلقت منها لاءات العرب الثلاث، التي أنكرت إسرائيل ووجودها والتفاوض معها؟! واليوم وفي مفارقة عجيبة وغريبة تعرض إسرائيل نفسها لتكون وسيطا بين الفرقاء للملمة شملهم وتوحيد صفهم، لم يبق من المفارقات إلا أن يتبنى كيان غاصب محادثات سلام تجمع السودانيين في فلسطين؛ الأرض المغصوبة!

عجيب هذا التوافق المنتظر بين الفرقاء السودانيين، وبرعاية رجل السلام بنيامين نتنياهو الذي سيسمى الاتفاق باتفاق تل أبيب للسلام والوئام، والذي سيجعل منه النوبلي الجدير في الشرق الأوسط الجديد، بعد سلفه القريب شمعون بيريز وسلفهما الهاجاني الخطير مناحيم بيجن، الذي نالها مناصفة مع الراحل أنور السادات!

من يدري؟ فبلد اللاءات الثلاث في الستينيات، وفي ظل ظروفه القاهرة قابل اليوم ليجعلها نعم؛ وبالثلاث حكما وتأكيدا، والتي وإن حدثت فإنها ستكون منسجمة مع موجات التسامح الأخيرة مع إسرائيل، والتي اجتاحت عالمنا العربي المأزوم الذي ينشد السلامة والأمان، من طنجة إلى بغداد مرورا بالخرطوم وشقيقتها أم درمان.

alaseery2@