نمر السحيمي

اربطوه بعقاله..!!

الثلاثاء - 02 مايو 2023

Tue - 02 May 2023

من أشمل تعريفات العقال في الماضي «أنه قطعة من الزي العربي التي يرتديها الرجال في الجزيرة العربية، والساحل الشرقي للخليج العربي، والأحواز والعراق وبلاد الشام ومصر وليبيا، وهو جزء من اللباس الشعبي للرجل، ويصنع عادة من صوف الماعز، ويلبس فوق الشماغ أو الغترة، ولا يوجد اتفاق علمي على تاريخ نشوء العقال بصورته الحالية، مع أن أقدم الإشارات المكتوبة عن ارتداء العقال تظهر بأنها من شمال الجزيرة العربية في أوائل القرن الثامن عشر الميلادي»، ولا يوجد ما يدل على أنه خاص بفئة من المجتمع العربي دون أخرى.

وفي الحاضر العقال في المملكة خاصة هو أحد عناصر الزي السعودي للرجل؛ وتم تعريفه بأنه: «قطعة سوداء تشبه الجديلة، توضع على الرأس لتثبيت الشماغ أو الغترة، بسماكة متوسطة ليست عريضة جدا أو رفيعة جدا، ولا يدخل في الرأس بل يثبت عليه».

ويعد العقال أحد مكونات الزي السعودي الرسمي وهو اللباس الذي يعبر عن هوية المواطنين في المملكة العربية السعودية، وتشكل هذا الزي ليتماشى مع الظروف البيئية والمناخية المختلفة وهو متشابه في بعض عناصره مع الزي المنتشر في معظم الدول العربية.

وتوصي الأنظمة الرسمية بالمملكة المواطنين بارتداء الزي السعودي الرسمي إذا كانوا موظفين أو أثناء مراجعة الدوائر والمصالح الحكومية، وفي حالة حضور المناسبات الرسمية.

ويتفق المواطنون بالمملكة على لبس كل مكونات الزي السعودي أو بعضها دون حرج إلا في العقال؛ الذي انشق عن ارتدائه طائفة من المواطنين، ولا يفسر ذلك إلا أنهم اعتبروا العقال خادشا للمكانة التي وصلوا إليها وميزتهم عن الآخرين بزعمهم؛ وذلك من وجهة نظري انحراف عن السنة المطهرة فقد ثبت «في العديد من نصوص السنة والآثار أنه صلى الله عليه وسلم كان يلبس ما يتيسر من اللباس الذي كان معروفا في قومه، فلا يرد موجودا، ولا يتكلف مفقودا، ولا يتميز بلبسة دون الناس»، وقد روى مسلم في «صحيحه» عن عمرو بن حريث قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفيها بين كتفيه)، وفي مسلم أيضا عن جابر بن عبد اللّه «أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعليه عمامة سوداء»، فإن كان المنشقون على العقال يلتزمون بالسنة فلماذا لا نراهم يرتدون العمامة السوداء اليوم؟!

ما أود التأكيد عليه هو أن الإلزام بارتداء العقال في مؤسساتنا الحكومية، ومناسباتنا الرسمية كمواطنين (موظفين أو مراجعين) هو إلزام يحقق عدة أهداف منها:

أولا: القضاء على المذهبية، فمن أهم طرق مكافحة المذهبية ألا نترك الفرصة لأي مكون مذهبي ينحاز داخل مجتمعنا الواحد ليتميز هذا المكون بلباس ينفرد به عن أبناء المجتمع، مهما كان حجم هذا المكون ومبرراته؛ لأن الإسلام دين الوسطية، وإن المتتبع لتشكل الزي السعودي يدرك أنه قبل أربعة عقود لم يكن هناك رفض لأي عنصر من عناصر الزي الوطني، حتى تغلغلت المذهبية واستطاعت أن تتشكل خلال الثلاثين سنة الماضية لتحقق أول أهدافها في ظهور (مكون) انشق على العقال، وهو أمر ساذج في الواقع التطبيقي في نظر كثير من الناس لكنه له أثر سلبي كبير على المجتمع؛ لأن هذا المكون المنعزل عن المجتمع كان ولا زال هو صاحب الهيمنة والقرار الشرعي في المؤسسات الدينية بالمملكة، مما دعا المجتمع إلى الابتعاد عن هذا المكون رغم أهميته في حياة الناس كونه يجتمع فيه الموقعون عن الله -قضاة ودعاة ووعاظ- حسب وصف الإمام ابن القيم، ويجب أن يكون الموقعون عن الله إذن وسط المجتمع لا أن يكونوا منعزلين غرباء كما تريد لهم المذهبية.

ثانيا: القضاء على التمييز، فيعد رفض العقال السعودي من التيار الديني الذي يعمل في المؤسسة الدينية بالمملكة تمييزا لهم عن بقية المواطنين العاملين بالدولة؛ وهو تمييز لا يمكن القضاء عليه ما لم يحدث التدرج في إحلال المتوافقين مع كل عناصر الزي الرسمي السعودي ليكونوا على رأس هرم المؤسسات الدينية بالمملكة، ليحصل التدرج والتوافق بعد ذلك تدريجيا بالقضاء على تشكل التمييز بين الناس، ولا شك أن التمييز ضار بالمجتمع خصوصا إذا وجد في مؤسسات معنية بنشر وسطية الإسلام من خلال التعامل المباشر مع الناس؛ لأن قبول الدعوة والموعظة صعب جدا من فئات أو أفراد يعتقدون أن تمييزهم عن غيرهم هو حق لهم في الحياة.

ثالثا: تحقيق الوطنية، فالتوجيهات والتعاميم الرسمية هي ملزمة للجميع، وحين يلتزم بها المواطنون جميعا فما عذر من يرون أنفسهم غير ملزمين بها وهي لم تستثنيهم؟ لذا فإن استمرار اعتبار ارتداء العقال متناقضا مع عمل موظفي المؤسسات الدينية هو موضوع يتعارض مع الوطنية، ولا شك أن برامج ومشاريع تعزيز الوطنية لدى المواطنين هي برامج ومشاريع تقف ضد الإيديولوجيات المحاربة للوطنية كإيديولوجيا جماعة الإخوان، التي يجب أن يكون كل أبناء المجتمع ضدها.

رابعا: ترشيد الصحوة، وأعني بترشيد الصحوة توجيه المواطنين إلى أن الصحوة لا تعني التمرد على وطنك بالانعزال عن مواطنيك والانحدار إلى السلوك المتطرف بل هي في بقائك واعيا في صف قيادة وطنك وشعبك؛ لذا فإن كل من وصف بالصحويين كان الانشقاق على العقال السعودي هو أحد أهم أوصافهم الدالة عليهم؛ وربما هذا ما يؤمن به كل المواطنين، وعليه فإن أي إجراء يوحد الالتزام بكل عناصر الزي الرسمي هو محاربة للتطرف أو جزء من استراتيجية القضاء على المتطرفين.

وفي هذا السياق أذكر موقفين بهذا الخصوص يؤكدان أن الانشقاق على العقال يتجاوز كونه عنصرا عاديا من عناصر الزي السعودي يمكن قبوله أو رفضه إلى الدلالة على حقيقة مكون منعزل عن المجتمع؛ الأول: أنني كنت حاضرا في مكتب أحد رؤساء المحاكم بالمملكة وصادف وجودي أنه كان يجري فحصا مع أحد المتقدمين لسلك القضاء فأخذ فترة يسأله والمتقدم يجيب فسمح له بالخروج فلما وصل المتقدم إلى باب مكتبه ناداه ليعود فقال له: أمورك طيبة وإجاباتك ممتازة لكن عليك ملاحظة فارتبك المتقدم فقال له: العقال؛ لا عاد أحد يشوفه عليك؛ ولا أخفيكم لا زال ذلك عالقا في ذهني منذ سمعت ذلك قبل أكثر من (14) سنة.

وثانيهما: أثناء وجودي في أحد مجالس الحكم العامة في دائرة من الدوائر القضائية المشتركة كان أحد المتقاضين مواطنا يرتدي العقال وحين اشتد النقاش بين الخصوم قال أحد القضاة للمواطن المنفعل: اسكت لا نربطك بعقالك!

وفي الختام، يجدر التنبيه إلى أنه ما لم يعمم لبس العقال على كل العاملين في مؤسسات الدولة وعلى رأسها القضاء والشؤون الإسلامية وأقسام الدراسات الإسلامية في التعليم والجامعات وغيرها فإنه سيظل المجتمع ينظر لنا كطائفتين هذا ملتزم وهذا ضال، ويجب أن يكون العقال رمزا يرتديه كل سعودي دون تمييز، أو ننشق عنه جميعنا حتى لا يتميز أحد منا عن الآخر إلا بما تعارف عليه المجتمع من تمييز أصحاب المكانة العلمية والاجتماعية بلباس التوقير لا التمييز كارتداء البشت.