عبدالخالق المحمد

تهافت الإعجاز العلمي، علم النفس الإسلامي أنموذجا

الثلاثاء - 02 مايو 2023

Tue - 02 May 2023

نواصل هذه السلسلة في التصحيح والتصويب، وسنأخذ مسألة علم النفس الإسلامي لرواجها مؤخرا.

سأتحدث من جانب يغلب عليه الشرع الإسلامي، وأترك لأصحاب تخصص علم النفس المؤهلين الاتفاق أو الاختلاف. إننا عند الحديث في علم النفس الإسلامي سننطلق من مأخذنا على الإعجاز العلمي، فمن سيضبط الكتابة في علم النفس الإسلامي؟ إنك ستحتاج إلى رجل مؤهل في تخصصين مختلفين. ففهم النفس بناء على المعتقدات يجب أن ينطلق خلال هذه النصوص الشرعية، وينطبق على الباحث ما يتم على كل من يتعامل مع النصوص الشرعية، كحجية فهم السلف لهذه النصوص مثلا، والتي تتطلب ثباتا حيال فهم غالب النصوص والسير وفق الضوابط التي حددها العلماء عند الاختلاف، ومن يحق له الحديث في ذلك ومن لا يحق، وبعد أن يكون المرء مؤهلا لذلك في التخصص الشرعي، آخذا بهذه الضوابط والشروط التي يذكرها علماء الدين، وعليه أن يكون مختصا مؤهلا في علم النفس، بما يراه غالب المختصين أنه تأهيل كاف. وعند ذكر ما يخالف ما اعتقده علماء النفس والمتخصصون فيه، عليه أن يقدم ما يثبت به وجهة نظره تلك من ناحية علمية، ولا يزج بالشرع في مقابل ذلك، وهو لا يقبل أصلا علم النفس الحالي والمعتمد على التجربة البشرية عامة، ولا يقبل نظريات ودراسات في علم النفس، قد يبدو أنها تخالف بعض التوجيهات الشرعية.

وعند ذكر قواعد علم النفس الإسلامي لا بد أن تكون مستندة إلى نقاط دينية مهمة، منها: التوكل على الله وأنه سيشفيك وينصرك، ومنها التسامح والتعاون والصبر والعدل، وهذه الأمور التي سيستند إليها علم النفس الإسلامي هي موجودة في الأديان والثقافات قبله فما المميز له؟. هذا يشترك فيه مع مسألة السبق في الإعجاز العلمي، وأن غالب الأمور التي يدعونها قد ذكرتها الحضارات والأديان قبل الإسلام، وهذا دليل على أن النفس البشرية ولو بدون دين تكون على أخلاق وصفات حسنة فطرية معلومة بالعقل حسنها، وهي ملاحظة في أطفال البشر كلهم، وقد أشار ابن القيم -رحمه الله- إلى ذلك فقال: «فأثبت الله في الفطر حسن العدل والإنصاف والصدق والبر والإحسان والوفاء بالعهد والنصيحة للخلق، ورحمة المساكين ومواساة أهل الحاجة ومقابلة الإحسان بالإحسان والإساءة بالعفو والصفح، والصبر في مواطن الصبر والبذل في مواطن البذل والانتقام في موضع الانتقام، والحلم في موضع الحلم، والسكينة والوقار، والرأفة والرفق، والتؤدة وحسن الأخلاق وجميل المعاشرة وستر العورات وإقالة العثرات... وأثبت في الفطر علمها بقبح أضداد ذلك». (مفتاح دار السعادة).

وسيكون بلا شك هناك علم نفس يهودي ونصراني وبوذي، وفي داخل كل ديانة مزيج وأخلاط من المعتقدات حول حقيقة النفس البشرية.

فإذا كنت مسلما واحتجت في سفرك للخارج للعيادة النفسية، فسيرعاك يهودي ويصبرك نصراني ويسليك ما حل بالمسيح على الصليب!

بل إنك داخل العالم الإسلامي ستضطرب حيال علم النفس الإسلامي نفسه، فالمذاهب الإسلامية العقائدية مثلا مختلفة في ماهو لله أولا من أسماء وصفات، ثم إن من أعظم ما قد يستند إليه علم النفس الإسلامي هو القضاء والقدر عند الحديث مع المُراجع، وأهل السنة يختلفون عن الشيعة في مسألة القضاء والقدر، وداخل أهل السنة يختلف الأشاعرة في مصر وغيرها في مسألة القدر عن السلفية في الخليج، وهم يختلفون عن غيرهم وهكذا... فإنك ستحتاج إلى التحري والبحث جيدا عن عقيدة الأخصائي النفسي الذي ستتوجه إليه.

وقد يكون التقارب لا يمكن أن يحدث إطلاقا. فلو أردنا أدنى تقارب بين علم النفس وعلم النفس الإسلامي لامتاز أحدهما عن الآخر بسهولة، فعلم النفس وطبه ومراجعه مثلا تفسر أساس الأديان ومرجع علم النفس الإسلامي (الوحي) بأنه هلاوس سمعية وبصرية، وهذا من أبجديات علوم النفس اليوم. فالطالب في هذا التخصص لا يتخرج إلا بعد الممارسة والتطبيق ولو في مادة واحدة، ويرى فيها عشرات الأنبياء قابعين في أسرة المستشفيات، ولو أراد عالم نفس مسلم - متجرد عن عواطفه غير مستصحب لما يعتقده مطبقا ما وصل إليه علم النفس اليوم - أن يحلل كبرى شخصياته، لكفّر في أقل من خمس دقائق، وتصور فسادا كهذا كفيل بإلغاء فكرة علم النفس الإسلامي، لأنه سينتج عنه الصراع نفسه الناتج عن الإعجاز العلمي المسمى تعارض العلم والدين، ولعلكم تذكرون حين حاول الدكتور طارق الحبيب الحديث حول شخصية النبي (صلى الله عليه وسلم) وما مر به في الطفولة، فهاج المجتمع وماج.

ولن يتوقف الأمر حول ذلك، بل سيصل إلى تحليل القرآن الكريم تحليلا نفسيا مفضيا ذلك إلى القول ببشريته وما إلى ذلك من أبواب شر سيفتحها هذا العلم المزعوم. وسأتناول في سلسلة المقالات عن علم النفس الإسلامي بعض المواضيع التي يجب أن يبحث فيها الداعون إليه والمطالبون به، وقد تكون حساسة بعض الشيء ولكنها ستُفتح لا محالة إذا تقرر هذا الادعاء.

وقد يكون الصواب أن يتم تضمين الجانب الروحي في الخطة العلاجية القائمة على علم النفس اليوم والذي أثبت فعالية ذلك، ولكن يراعى في ذلك خصوصية كل حالة وتقبلها لهذا الجانب من الخطة العلاجية، ووفق الدراسات العلمية والمراجع المعتمدة فيه.

وأريدك أن تتصور معي يوما في عيادة أخصائيين من علم النفس الإسلامي:

المراجع (1): أهلا دكتور.. لماذا أنا مصاب فقط بهذا الاضطراب وأصدقائي ومن حولي هم في أتم صحة وعافية؟

الأخصائي (1): يجب أن ترضى بالقضاء والقدر يا أخي، والذي يظهر لي أنك غير راض به، ولهذا أنت مصاب أيضا باضطراب السخط وعدم الاستقرار الذي وضع له علماء النفس الإسلامي رمز (ف 987)، ألم تسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن لا يرضى بما يصيبه؟ قال: (فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط).

الأخصائي (2): نعم أنا أتفق مع زميلي، ويجب عليك يا أخي أن تتأدب مع الله ولا تعترض؛ لأن هذا الاضطراب الذي أصابك هو بسببك، المتسمع قول الله تعالى: (وما أصابك من سيئة فمن نفسك). وعليك أن تراجع طبيبا نفسيا إسلاميا، فقد يصرف لك ما تحتاج إليه من زيت وماء قد ذكر فيها اسم الله.

المراجع (2): دكتور أنا فقدت ابني المصاب باضطراب نفسي، إذ إنه أقدم على الانتحار، فما توجيهاتكم لأخرج من هذا الاكتئاب؟.

الأخصائي (1): أولا، بارك الله فيك، يجب أن نتأدب مع الشرع، ومن ذلك تسمية الأمور بأسمائها الشرعية، فهو حزن وليس اكتئابا، وقتل نفس وإزهاق روح وليس انتحارا. ثانيا، يا أخي اصبر فقد خسر كثير من الناس عددا من أبنائهم، ولعلك كنت مقصرا في تربية ابنك التربية الإسلامية الصحيحة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، فلولا هذا التقصير والخلل في بناء شخصية ابنك وتنشئته تنشئة إسلامية لما حصل هذا، والحمد لله على كل حال.

الأخصائي (2): لعلي أضيف على ما قال زميلي، أنك لو ربيته على حرمة قتل النفس لما حصل هذا، والذي يظهر لي أن ابنك قد يكون في النار، ونحن لا نحكم على أحد بجنة أو نار، لا لا أستغفر الله من هذا كيف نتألى على الله؟

ولكنك تعرف الحديث الذي رواه البخاري عن الرجل الذي جاهد مع الرسول، فلما اشتدت به الجراح ولم يتحمل الألم قتل نفسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هو في النار). وهذا كان يجاهد مع النبي لنصرة الدين وألمه بالسيوف أشد من ألم ابنك النفسي. وفي الحديث الآخر قال: (ومن قتل نفسه بشيء عذب به في نار جهنم)، وإلى غير ذلك من الأحاديث. ولكن تصدق عنه لعلك تخفف عنه. وأنصحك باستشارة طبيب نفسي إسلامي، فقد يصرف لك تلبينة نبوية جاهزة تخفف عنك.

المراجع (3): دكتور، أعاني من اكتئاب بسبب تعسر أموري دائما ورداءة حظي.. فما توجيهاتكم؟.

الأخصائي (1): عليك بالدعاء يا أخي وكثرة الاستغفار، فما فتحت الأبواب المغلقة بمثل الدعاء والاستغفار، ولا شك أنك تعرف الآيات التي تدل على ذلك والأحاديث.

الأخصائي (2): نعم، أتفق مع ما ذكره زميلي، وعليك بالرجوع إلى الله، فلعل هذا فقط ضيق وضنك بسبب تقصيرك في دينك، ألم تسمع قول الله تعالى: (فمن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا)، وأنا خلال خبرتي مع المراجعين إنك قد لا تحافظ على الصلاة لهذا تتعسر أمورك. وربما تكون مقصرا أيضا في تقوى الله قال تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب)، فالله الله يا أخي في التوبة والرجوع إلى الله.

المراجع (4): دكتور، تعلم ما قد توصل إليه علم النفس الغربي اليوم، من أن القسوة والعنف أو الضرب للأطفال في الصغر يسبب كثيرا من المشكلات النفسية لاحقا، وأنا أشعر أن من أسباب مراجعتي لك اليوم هو خلال تعامل الوالدين المؤلم في الصغر، فكيف أتجاوز هذه العقد النفسية؟.

الأخصائي (1): دعك مما توصل إليه هؤلاء، ولا تنخدع بشبهاتهم وأفكارهم، فدراساتهم قائمة على مذهب علماني خبيث يصادم الشرع وعلم النفس الإسلامي، فهم يريدون أن يفرقوا بين الأبناء وآبائهم بهذا الكلام، مما سيؤدي إلى تشتت الأسر وضعف الأمة الإسلامية، وعليك يا أخي ألا تشكوا والديك بهذه الطريقة، فأين أنت عن قول الله عز وجل: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا)، واصبر وصاحبهما في الدنيا معروفا، فليس هذا من البر الذي تقوم به، وأخشى عليك من العقوق، وهو من أكبر الكبائر كما ذكر النبي (صلى الله عليه وسلم).

الأخصائي (2): يا أخي، لو كان هذا يسبب ما ذكروه من مشكلات لما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وحث عليه لمن وصل إلى سن 10 سنوات، فقال: (مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر..). فيجب الشدة لينشأ الطفل قويا يواجه الصعاب في باقي حياته.

لك أن تلاحظ أن المعالجين قد استندوا إلى نصوص صحيحة في توجيه المراجعين، ولا يمكن لأصحاب علم النفس الإسلامي أن يعترضوا على فهم الأخصائيين السابقين لهذه النصوص الشرعية، فهذا فهمهم لها خلال علماء سابقين، ولا مرجعية محددة تضبطهم في علم النفس.

سيكون المراجع في صدام مباشر مع الشرع حين يحاول مناقشة الأخصائي.

هل تتفق هذه التوجيهات مع علم النفس اليوم أم تختلف؟ هذا متروك للمختصين في علم النفس.